13 سبتمبر , 2014



العودة للإنسانية

العطاء الحقيقي طاقة لا تنتهي، وتناغم كبير مع الحياة، هو الانطلاق بروحٍ لا يشبهها شيء في العمل بأمل لا ينتهي.
وروعة هذا العطاء تكمن في أن يعطي الإنسان كل ما يستطيع من خلال عملٍ يحبه ويؤمن به أياً كان هذا العمل، فالحالة هذه تأتي بالإبداع والإنتاج غير العادي، وفي هذه اللحظة يمكن أن يُنتجُ للبشرية ما يجعل حياتنا أفضل.
ولكن السؤال الذي أطرحه هنا، هل نجحنا من خلال مؤسساتنا التعليمية والعلمية والعملية في أن نتيح الفرصة للمرء ليعيد استكشاف ذاته ويبدأ بممارسة ما يحب؟
هذا السؤال يفتح أبواباً لا تنتهي، ومنها: هل أغلب الناس يعمل ما يحب أو أنه يجد نفسه يطارد العيش في عمل يذهب إليه محبطاً كل صباح لعلها تفرج؟
يقول الكثير من المحاضرين: إن الناس عامة لا يعملون ما يحبون، لأنهم يخافون ألا ينتج لهم هذا العمل ما يكفي لقضاء معيشتهم، ولكنهم يقولون أيضاً: إنك إذا عملت ما تحب فستبدأ بسيطاً، وستصل إلى مرحلة أن هذا العمل ينتج لك أكثر مما تظن بالاستمرار والإصرار، ولكن عليك أن تجتاز تحدي البداية أولاً لتصل لما تريد.
إننا في مجتمعاتنا غالباً نحاول أن نبتعد عن هذه الفكرة، لأننا غالباً نستنسخ أفكار الآخرين حول التخصصات الجيدة، وننسى أن الحياة أرحب بكثير من التفكير القديم الذي وضع البريستيج في الهندسة والطب، فورثناها كما هي حتى إن الجميع مازال يريد ابنه طبيباً أو مهندساً.
إن التأمل في وضع البشرية اليوم يبين لنا أننا نحتاج الكثير من الأدباء المؤثرين والصحافيين المؤثرين والمفكرين والفلاسفة كي نرى الحياة بعين أخرى غير التي اعتدنا أن نراها بها، وكي تواكب إنسانيتنا هذا التطور التكنولوجي الذي بدأ يسرق من حياتنا الكثير، حتى إن الكثير يعملون كالآلات التي تحاول سد جوعها أو سد استهلاكها الذي يزيد يوماً بعد يوم دون أن ينتهي معترك الحياة، ودون أن يشعر الإنسان الكادح بضرورة العودة إلى إنسانيته التي لا يبرزها شيء كالفن والأدب والأعمال التي ترتبط بالأحاسيس، ووحده العمل على تطوير الوعي سيكسب الإنسان حياته من جديد.
t.salem@alroeya.com

06 سبتمبر , 2014



أكثر من سيرة ذاتية

تؤكد الأبحاث كلها أن قدرة الإنسان دائماً أكبر مما يظن وأن الكثير من البشر لا يدرك ذلك، وأن الحدود الحقيقية هي حدود الأفكار التي تتأصل في المشاعر ثم تتحول إلى عمل فنتيجة.
أكرر هذه الفكرة دائماً: إن الحياة ما هي إلا الأفكار التي تؤمن بها فتتشكل عملاً فنتيجة، والكثير منا يؤمن أنه أقل مما هو عليه بكثير ولو أتيح لبعض هذه الأفكار أن تزاح لخرج المعدن الحقيقي للإنسان يتجسد في قدراته التي لا حدود لها.
أذكر أنني شاهدت مقطعاً على قناة يوتيوب في استضافات شركة غوغل عن شاب يحكي قصته وكيف أنه يعتبر نفسه أكثر من شخصية في آن واحد، وأعني هنا أنه يقوم بالكثير من الأعمال فهو رجل أعمال ناجح ولاعب محترف في أحد الفنون القتالية ومهندس، بالإضافة إلى الكثير من الهوايات التي يمارسها والتي لو رآها الإنسان العادي لقال في نفسه: كيف لإنسان القيام بكل هذه الأعمال دفعة واحدة؟
الشاهد هنا أن المرء يستطيع أن يكتب أكثر من سيرة ذاتية ربما سيرة عملية وسيرة علمية وسيرة أدبية وسيرة لهواياته التي يمارسها ويستخدم أي سيرة يشاء بلا حدود، ولو أننا أمعنا النظر لوجدنا أن أكثرنا يتمتع بهذه الازدواجية ويمارسها ولو أنه قرر الاحتراف في أكثر من عمل لاستطاع تحقيق ذلك، ولكن الوصول إلى ذلك يحتاج الكثير الكثير من العمل والإصرار والصبر والمواجهات التي قد تقع حين يرفض من حولك ذلك، ولكن حين يصل المرء إلى هذا الإيمان يصبح الوقت مزدحماً بالأشياء الرائعة التي يمكن أن يفعلها كل حين في كل المواسم، ويصبح لديه حب التنويع في الأشياء التي يمكنه القيام بها وتكون قريبة من قلبه، ويكون لكل منها نكهته الرائعة التي تنتج عن ممارسة عمل أو هواية.
لنتعلم أن نحب كل الأشياء ونجرب أشياء جديدة قد تضيف إلى حياتنا، فنحن لا نعلم متى نقع في حب فكرة ما تتحول إلى عمل فتصبح حياتنا أكثر روعة حماساً وبهجة، ويكون الاستيقاظ كل يوم أجمل لممارسة شيء جديد.
t.salem@alroeya.com

30 أغسطس , 2014



بين الفن والحرفية

مازلت أتذكر ذلك الحوار مع أحد الفنانين التشكيليين حين سألته عن الخط، فقال: إن الخط حرفة لها أسس قد يتعلمها الجميع ولكن السر في الفنان الحقيقي الذي يحول هذه الحرفة بإحساسه إلى لوحة من خلال اختياره لما يخطه واختياره نوع الخط والعبارة والتشكيل الذي يسقط فيه أحاسيسه .. فتتحول من حرفة عمل جامد إلى لوحة فنية.
تلك الإضاءة تُسقط على الكثير من الأشياء في الحياة، فهنالك المهندس المعماري وهنالك الفنان المهندس المعماري، والفرق أن الأول يبحث عن وظيفة عادية والآخر يبحث أن يصمم عملاً خالداً لم يصممه أحد قبله يبدع فيه ويجعلها مَعلماً.
فالسر الحقيقي في الحبكة أن يتصل الإنسان مع الفنان الحقيقي بداخله أياً كان ما يحب، وأن يبتعد عن الحرفية بعد تعلم الأسس والمبادئ ويتخلص من مخاوفه ليبدأ مرحلة مختلفة من الإبداع والانطلاق بلا حدود، وعند هذه المرحلة فقط سيبدأ هذا الإنسان في تشكيل حياة مختلفة قد يوافقه عليها البعض ويخالفه الكثير .. ولكنه سيكون بذلك الأقرب إلى ذاته وإلى تحقيق أحلامه وطموحاته التي تنتمي روحه إليها كل الانتماء.
فالفن والحرفية رؤية حقيقية للمرء يبدأ بها ويرسمها لنفسه منذ الخطوات الأولى .. وبالتالي الفنانون هم الأقرب للتجديد وهم الأقرب لأن يكتشفوا عوالم من الإبداع خارج الأطر التقليدية التي لا تعرف التجديد ولا تعرف التطوير.
ومن هنا هذه دعوة حقيقية لاكتشاف الجانب الفني والإبداعي في المرء نفسه .. ذلك الجانب الذي تصبح به حياتنا أسهل وأجمل وبها ننعم بالكثير، وأن نلامس ذلك في الحياة فنميز بين من يقوم بعمله بحرفية والتي نحتاجها أحياناً وبين الذي يقوم به بفن فيحلق أكثر وأكثر في مساحات الإبداع، وهي دعوة أيضاً لأن نكتشف في أبنائنا حقيقتهم دون أن نفرض عليهم حرفيتنا في بعض الأمور ودون أن نوجههم إلى القيام بما لا يحبون فقط لأننا نظن أنه الأفضل لهم ولكن نمكنهم من استعراض الحياة لاختيار الصحيح الذي يكونون به أقرب للانسجام مع العمل والحياة في إيقاع فني حقيقي يرسم لنا حياة أفضل من خلالهم.
t.salem@alroeya.com

16 أغسطس , 2014



الفيراري الذهبية

لتقود سيارة فيراري في لندن في الصيف يجب أن يكون لديك جيب وافر لدفع ثمن هذه الفيراري وثمن مخالفاتها وثمن شحنها خصوصاً إذا كانت لوحات التسجيل لوحة خليجية، يجب عليك أن تفكر في سعر الشحن وسعر الوقود والتأمين باهظ الثمن في لندن لتستمتع بقيادة الفيراري في شوارع لندن، وعليك ألا تنسى أن السيارة غالباً ستكون ذات مقود أيسر بينما الشوارع في لندن صممت لسيارات المقود الأيسر، ولا تنسى أن سعر الطلاء الذهبي للفيراري سيكلفك أيضاً مبلغاً وقدره.
لم يكن لمرور تلك السيارة الفيراري الذهبية أمامي وأنا في الحافلة إلا أن أثار الرجل الذي خلفي ليصرخ إنك لا تحتاج أن تكون سيارة الفيراري ذهبية، يكفي أن تكون مقتنعاً بها وتدرك أن تقود سيارة فيراري وكفى، ولكننا هنا في لندن نرى العجب ونرى من الخواء الفكري ما يجعل هذه الكماليات التي تتشكل في حب الظهور أمام الآخرين والمباهاة أبعد ما يكون من التمتع بإجازة بسيطة وتغيير الجو، إنما هو استفحال للمكابرة وإظهار القدرة المالية وعدم المبالاة بالقوانين ومحاولة فرض النفوذ، ولم أستغرب أن أحد الفنادق وضع لائحة خاصة للعرب لإرشادهم بالذوق العام والقوانين العامة للمكان واحترام الثقافة المختلفة.
ولا أعلم كيف لا يجد هؤلاء متعة في بساطة المقاهي والقهوة المحضرة خارج أماكن الزحام في الصباح الباكر في طرقات لا تتكدس بها المباهاة وقلة الوعي، ولو أنهم تفكروا قليلاً لوجدوا أن لذة الحياة تكمن في تغيير السلوك في البحث عن البساطة أو في الجلوس على مقعد في حديقة أمام بحيرة لا يتكدس عندها الجميع ولا يقفون أمامها للتصوير خارج الذكرى، وأن اقتناص اللحظات أكبر من اللهاث وراء الماديات التي لا تضيف إلى الأرواح بل إنها تتلفها وتحث على استهلاك المزيد ليجد المرء نفسه مضطراً لأن يثبت للجميع أنه يملك وأنه يستطيع .. وأنه هنا موجود بحضوره بينما تجد صاحب الفكر لا يحتاج أن يبرز ما لديه لشعوره بالاكتفاء الحقيقي وشعوره بذاته بكل ما تعني الكلمة من تحقيق وامتنان ووجود.


09 أغسطس , 2014



قمة السعادة

للحياة بساطتها وروعتها، تتشكل في قلوبنا وتدعونا للتأمل، للحياة تلك السعادة التي نؤمن بوجودها لكننا منذ طفولتنا نحاول أن نبحث عنها وكأنها شيء من المستحيل أو أنه أمر سيحدث لنا فجأة أو أنه مرتبط بالمال والماديات والمناصب وغيرها.
من رحمة الله أن السعادة موزعة بعدله في هذه الحياة مرسومة في الأشياء البسيطة مزروعة في ابتسامة طفل في التلذذ بجمال وردة ولوحة فنية وقصيدة شعر، في عبارة رائعة تمر علينا وكأنها تنثر عطر الفل والجوري في المكان.
سألني صديق مقرب ذات يوم سؤال أوجهه إليك وهو متى آخر مرة شعرت بها بسعادة غامرة؟ سعادة حقيقية كالتي كنت تشعر بها في طفولتك كالتي تجعلك تصرخ فرحاً وتنسى أنك على وجه الأرض؟
لك الإجابة ولكن إن كنت لا تتذكر متى، فعليك مراجعة حياتك كلها من البداية، وربما العودة للطفولة أو كسر ما أنت معتاد عليه من مهام ومسؤوليات تجعلك تتذكر كل شيء وتتذكر الجميع وتنسى نفسك، تنسى أن من حقك أن تسعد في الحياة خارج التضحيات خارج الإطارات التي لا تضيف إليك ولكنك تحاول البحث عنها خارج نفسك،
إن إجابتك على هذا التساؤل قد تكون مبكية وقد تضطرك إلى الكثير من التنازلات والنقاشات بينك وبين نفسك لتتوالى الأسئلة في وظيفتك وعلاقاتك وما تحب أن تفعله في الحياة وحتى حياتك المادية وما تطمح إلى الوصول إليه من أمور خططت لها أم لم تخطط.
قمة السعادة قد تكمن في أشياء بسيطة جداً في زيارة ولكنني ما أدركه أن الكثير من الوصول إلى القمة هو تدريب النفس على التقبل وتلقي الحياة بصورة مختلفة تجعلنا نستشعر وجودة هذه السعادة أو ربما قبل ذلك الإيمان بوجودها خارج الحواجز التي وضعها المجتمع أو وضعناها لأنفسنا.
من أنواع السعادة التي قد تستشعرها هي الإضافة إلى الآخرين وتغيير حياتهم إلى حياة أفضل وقد تكمن تلك السعادة في عنوان كتاب تنصحه به أو في فكرة أو قصيدة أو عبارة لا تدرك مداها أنت ولكن تصادف هذا الشخص بعد مدة فيقول لك أنت جعلتني أسعد ولك التفكر.

02 أغسطس , 2014

صفحة بيضاء وقلم

ماذا يمكن أن تفعل صفحة بيضاء بالعالم إذا ما بدأ القلم يخط عليها وبدأت الأفكار تنساب وتجمع نفسها في ذهن الكاتب؟ ماذا يمكن أن يحدث لو توافقت الأحاسيس في تلك اللحظة بالذات مع الورقة والقلم والقلب واستمر انسكاب الحبر على الورقة رقراقاً عذباً بريئاً لا ينتظر مقابلاً؟
الكثير .. الكثير في ورقة بيضاء وقلم وقلب صادق يرسل رسالته التي آمن بها .. يرسل فكرته التي يؤمن بأن قلباً آخر قد يقع في حبها، ويبدأ الإيمان بالتغلغل فيه ليفكر من منطلق حاجته بها كفكرة ثم يزيد التفكير في تطبيقها وإمكانية حدوثها، ثم يأتي العمل والبداية وربما يكون الفشل في التطبيق والإصرار ومعاودة المحاولة والنجاح، ثم بداية نشر هذه الفكرة وتأكيدها للآخرين.
قد نسرد تلك الفكرة ببساطة هنا، لكن الوقوع في حب فكرة قد يغير كل شيء وقد يبدأ بتغيير العالم لعالم أفضل إذا ما آمن صاحب الفكرة بها وبدأ بتطبيقها، وقد يكون هو الذي بدأ بتدوينها من البداية بعد أن كانت هائمة في فكره تسبح وكأنها من المستحيلات.
صفحة بيضاء وقلم وقصيدة ورسالة تبدأ في روح وتتلقاها روح أخرى وتنتشر في الحياة لتضيف إليها أملاً نقياً عذباً يشعرنا أن الآتي أجمل وأن الطريق أمامنا محفوف بالورود، وأننا في المكان الصحيح في الوقت الصحيح لنبدأ .. وأننا سنستمر إلى أن نرى ملامح تتشكل في قلوب الآخرين، نؤثر بهم نتأثر معهم ونشكل ذكريات رائعة، وكلما حان الوقت نعيد هذه الذكريات ونشكلها كما نشاء ونطبعها في قلوبنا لتبقى.
صفحة بيضاء بكل ما فيها .. لك أن تشتري دفتراً ينصع بالبياض وتتأكد أن تشتريه بسعر غال كي تكتب فيه ما هو أغلى من خطط لحياتك وأشياء تريد الوصول إليها .. ولا بأس أن تشتري ألواناً وترسم صوراً ملونة لحياتك الحالية وحياتك التي تريدها لنفسك بعد حين ومن حولك من الأحباب، ما تملك وما تحلم أن تملكه لتتشكل الصورة كاملة أمامك بكامل أحاسيسها نقية تعود إليها كل حين لتدرك أنك في الطريق الصحيح الذي رسمته لنفسك، تصحو كل صباح لتنشر فكرة صفحة بيضاء وقلم.

اللحظة الأخيرة

في 26 يوليو, 2014 |

$يمر بنا الوقت وتمضي بنا الأيام ونعلم أن من فوائد الإنجاز وضع وقت محدد للوصول إليه وعلى هذا الأساس تقوم المشاريع الكبيرة.. ولا أدري كيف فشلت المنظومة الدراسية في تعليمنا أسس احترام الوقت وكيف نبني هذا الانضباط الداخلي، ربما لأننا تعلمنا أن المدرس لا يلتزم بالأوقات التي حددها وغالباً ما يؤجل التسليم، ولأننا اعتدنا على ذلك نجد أننا بنينا في أنفسنا ثقافة اللحظة الأخيرة، فنحن نسلم ما نحتاج تسليمه في اللحظة الأخيرة وننجز ما يجب علينا إنجازه في اللحظة الأخيرة، ونقرر السفر في اللحظة الأخيرة، ونذهب إلى السوق قبل العيد في اللحظة الأخيرة، ودائماً يكون هناك ما لم ننجزه بعد لنتركه للحظة الأخيرة.
نعلم أن العيد قادم ولكننا لا نخطط لتفصيل الملابس من قبل ونترك التخطيط للحظة الأخيرة، وننسى الكثير من التجهيزات لأننا نظن أن هنالك بعض المتسع في الوقت.. ومن ذاك نستخلص أننا عبر السنوات شكلنا في أرواحنا ثقافة اللحظة الأخيرة، وقلةٌ أولئك الذين يخططون من قبل وغالباً ما يكونون هم الأكثر نجاحاً وهدوءاً في التعامل مع الأحداث والمواقف.
يأتي العيد وهنالك ما لم ننجزه وكأننا لا نعلم أن العيد مقبل حتى إن البعض يتفاجأ بالعيد كأنه لا يعلم إن كان غداً أو بعد غد، وتأتي اللحظة الأخيرة وهنالك ما لم ننجزه بعد والأغرب أننا لا نخسر شيئاً وكأننا نلعب لعبة الوقت مع قلوبنا في انتظار ما هو مقبل أو في تلقي الآتي أو في العمل اليومي.
كم أتمنى أن يكون في المنظومة الدراسية ما يعيد الشعور بالوقت في أرواحنا وما يجعلنا نرتب كل أمورنا قبل موعدها بكثير.. وأن نملك شجاعة التغلب على مشاعر الاستعجال للتغيير بعيد المدى خارج الارتجال.
ولا أخفيكم أيها الأحباب أنني أكتب مقالي هذا في اللحظة الأخيرة بل بعد فوات الموعد بيوم وعدة ساعات.. وأنا أصارع كل أسبوع ثقافة اللحظة الأخيرة لأحاول وأحاول زرع ثقافة التخطيط في أبنائي.. وأحاول في الوقت نفسه استدراج صبر المحرر العزيز وأرجو أن تنجزوا كل شيء قبل لحظة العيد وكل عام وأنتم بخير مقدماً.
t.salem@alroeya.com

المجانين المبدعون

في 19 يوليو, 2014 |
لم يكن الإبداع عادياً عبر العصور، لم يكن مألوفاً خصوصاً بدايته، أن تكون مبدعاً يعني أن تكون مجنوناً في نظر المجتمع أو في نظر المألوف، لأن الإبداع هو الخروج عن السائد والبحث عن طرق جديدة للابتكار والتجديد والخوض في تحديات من خلال آفاق أو إلهام يشكل للبشرية علامة فارقة في التجديد.
ولهذا نرى عبر التاريخ أن أغلب المبدعين لم يتعلموا في النظام التعليمي الرتيب، وذلك لأنهم لا يستطيعون وضع عقولهم في قوالب وضعها الغير لهم، ولأنهم كذلك أطلق عليهم الآخرون لفظ المجانين أو الفاشلين لأنهم يرفضون التقليد الأعمى للسائد الذي قام به الآخرون قبلهم.
وهنا نحتاج مساحات من الإدراك تضع قالب الإبداع خارج القيود المعتادة وتضع المبدعين في مساحات ليمارسوا جنونهم المحمود دون أن نوجه لهم الاتهام، ودون أن ننعتهم بما لا يليق لأن مبدعاً واحداً يكفي أن يغير حياة البشرية للأفضل، وهنا نرى أن الكثير من الذين أحدثوا الثورات العلمية والتكنولوجية وصفوا بالمجانين، لكن إيمانهم بما يفعلون وإصرارهم جعلهم يتجاهلون هذه المقولات ويمضون في طلب ما يريدون، بل إنهم يصرون عليه كل الإصرار وينظرون إليه من زاوية أخرى كلما زادت حدة رفض المجتمع السائد للفكرة ليثبتوا للعالم جدواها وأنها تحقق الكثير للبشرية.
إن العقل البشري الاعتيادي لا يمكنه بسهولة الخروج عن المألوف بل إن العلماء وجدوا أن التفكير خارج الاعتياد يحتاج درجة معينة من الذبذبات التي يعمل بها العقل ليكون في مرحلة الإبداع، وهذه المرحلة لا تأتي إلا من خلال الراحة الجسدية والعاطفية والعقلية، بل إنها تكون من خلال التركيز على الهدف وتوجيه العقل نحو الفكرة وتجاهل كل ما لا يصف في الفكرة نفسها من تشتت قد يحدثه الآخرون بجهلهم ماهية الإبداع.
نحتاج كل تلك العقول التي تغير خارطة التفكير، نحتاج أن نرسم طرقاً جديدة لها في مدارسنا وجامعاتنا، ونحتاج أن نؤمن بجنونهم قليلاً وأن نترك مساحة كافية لأطفالنا أن يتحدثوا ويتخيلوا عالماً مختلفاً لأن نقاء الطفولة قادر على أن يخلق من الإبداع ما يغير الحياة لحياة أجمل.
t.salem@alroeya.com

كلنا زايد .. كلنا خليفة

في 17 يوليو, 2014 |
الفراق لا يغيب من يحضر في أرواحنا .. لا يغيب من تحضر كلماته في الأجيال، من رسم بعبقرية البساطة طريقاً لا يتوقف وأرواحاً لا تكف عن العطاء.
زايد ذلك الامتداد إلى الجذور .. والانطلاق إلى العالم .. تلك المسيرة التي نمضي بها .. تلك الحكمة التي نورثها أبناءنا، زايد امتداد ظل النخيل وعبقرية العطاء للعطاء بلا انتهاء، ورسم خارطة للسعداء ويد تمتد قبل أن تُطلب للبعيد والقريب، زايد الخير والبحر والبيئة والأرض والنخلة والصحراء والأصالة والتراث.
زايد دعوة العلم والحكمة والحلم والصبر والحياة والإخاء، زايد ونظرة عطف على القريب والبعيد وامتداد الرؤى وانتهاء المستحيلات في الواقع، زايد والذكرى لا تموت .. والاحتفاء حياتنا كلما مرت صورته، وكلما مرت حكمته، وكلما ارتجف صوته في قلوبنا بالصدق والنقاء.
زايد .. وأرواح قياداتنا تشربت كل هذا .. والمسيرة كما أراد لها أن تكون، ونحن نولد في المعاني كلما تذكرنا أن روحه هناك تعانق ما نؤمن به كل يوم، وما نراه من صور لها بين أرض تُسقى ومهرته البيضاء وعصاه التي يخط بها على الأرض ليبدأ العمل وتخضر الصحراء.
زايد .. الموقف والسياسة والمعاملة بالحسنى، وكل ما تعلمنا من هذه المدرسة التي تبدأ من جديد كلما تناثرت الكلمات.
زايد .. الجامعة والمدرسة والطرق والقلب الذي آمن أن كل فرد في هذه المنظومة ابنٌ له بمده بالقوة والسخاء بلا حدود.
زايد .. ما نقول يا ترى؟ وما عزاؤنا إلا أننا الآن في امتدادٍ رسمه لنا في الشيخ خليفة في منهجه الذي لا يبلى، هو ذلك السر الذي ارتسم وعوداً تحققت ووعوداً في طريقها إلينا نسعى لها في ظل مديد وحياة كريمة كما أراد.
زايد .. وكلما ذكرته آمنت أن العظماء لا يرحلون وأنهم يخلفون وراءهم كنوزاً من حكمة وفكر، وأنهم مدارسنا التي نحياها دون أن ندرس في فصولها وندرك مناهجها بالزمن الذي يثبت هذه الرؤى أمامنا لنقهر بها المستحيلات.
زايد .. الشعر والقصيدة واللحن والعروبة والإسلام والرحمة على البسطاء ..
زايد الوجهة التي رسمتنا والتي نراها أمامنا أينما نسير .. فكلنا زايد، كلمة قلناها .. وكلنا خليفة لأننا في الدرب ذاته إلى الأمام.
t.salem@alroeya.com

الموت قبل التقاعد

في 12 يوليو, 2014 |
موضوع التقاعد أو الإحالة على المعاش موضوع شائك تم التطرق إليه كثيراً من خلال المقالات والصحف والمؤتمرات والندوات، ولعلي اليوم أتطرق إلى جانب منه يعيد النظر في طرق تناوله.
لا أعلم من أين أبدأ لكن المقارنة بالدول التي سبقتنا في هذا المجال تضعنا أمام علامة استفهام في آلية عمل أنظمة التقاعد، فأنظمة التقاعد عبارة عن صناديق تأمينية يسهم فيها الموظف حيث إن هذا الصندوق الائتماني يستثمر غالباً في صناديق الأسهم فينمي رأس المال ليتمكن من سداد تأمينات المؤمن عليهم.. وهنا تقع المسؤولية على المؤمن عليه فهو يتحمل جزءاً كبيراً من المخاطرة، ولا عجب أننا نرى زيادة في القوانين في صناديق التأمينات المحلية لأن الحياة اختلفت كثيراً وعدد الموظفين ازداد في الآونة الأخيرة والأعمار في تزايد.
وعلى الرغم من ذلك فما زال الكثير منا يتساءل عن التقاعد حتى في بداية حياته الوظيفية وما زال الكثير من القوانين غير واضح للجميع فمسألة انتقال الموظف الإماراتي، وأحدد هنا، صعبة جداً لأنه قد يضطر إلى دفع مبالغ طائلة للصندوق، وتغيير عمر التقاعد الذي تم في الآونة الأخيرة لم يتم الاتفاق عليه مع المؤمن عليهم، فضلاً عن أننا لم نصل إلى الشفافية والوعي اللذين يجب أن تسعى إليهما هذه الصناديق الائتمانية، أو أن يكون المجال مفتوحاً غير ملزم لأن ما نخسره من خبرات تضطر أن تبقى في مكانها بانتظار سن التقاعد يسبب عائقاً كبيراً أمام المؤسسات، حيث إن الانتقال إلى مؤسسة أخرى ولو بالراتب نفسه وضم الخدمة يترتب عليه دفع مبلغ وقدره من قبل المؤمن عليه، ما يضعه أمام خيار صعب يستسلم بعده للبقاء في مكانه بانتظار الموت قبل التقاعد.
إن إعادة النظر في هذه المسائل ستفتح أبواباً أخرى أمام الجميع.. وطرح طرق مبتكرة نناشد فيها المسؤولين قد يفتح آفاقاً جديدة أفضل من التكتم على القوانين وتغييرها ووضعها بصورة يصعب على المشتركين تفسيرها.
نمر الآن في مرحلة تتطور فيها دولتنا بشكل كبير نحتاج معه تسهيل انتقال الخبرات والقيادات من مؤسسة إلى أخرى للمساهمة في بناء ومواكبة كل هذه التطورات، ولكم النقاش.
t.salem@alroeya.com

وأخيراً تزوجت الثانية

في 5 يوليو, 2014 |
في كل عام وتحديداً قبل شهر رمضان الكريم بشهر تبدأ الحملات العاطفية على البرامج والمسلسلات.. والتي تظهر وكأنها تدافع عن القيم والعادات والتقاليد، مرة عن قضايا المجتمع ومرة عما يلامس الدين ومرة حول قضية سياسية، والذي لا يستوعبه من يقوم بهذه الحملة العاطفية أنه يكون أداة فعالة للتسويق والترويج لهذه المسلسلات.. هذا إذا لم تكن هذه الحملات مدارة ومقررة من القائمين على هذه البرامج والمسلسلات لاستفزاز مشاعر العامة وخلق ما يسمى التسويق العكسي الذي يعد أكثر فعالية من التسويق العادي.
وكذلك الأمر مع الكثير من الأخبار السيئة التي يروج لها الإعلام، ولو أننا تفكرنا قليلاً أن بإمكاننا أن نوقف هذه الحملات بتجاهلها فقط وأن نبدأ من الفرد إلى المجتمع، لاجتنبنا الكثير من الفتن والقلاقل التي تنتشر دون مبرر في المجتمع حتى تصبح اعتياداً.
إن الأخبار الإيجابية لا تثير أحداً ولا تخلق البلبلة التي غالباً ما ترافق مثل هذه الحملات الدعائية التي يثيرها ويروج لها العامة من خلال الرفض لكنهم لا يدركون أن تأثيرها العكسي في الترويج أكبر بكثير وأن هذه الظواهر لن تتلاشى بمحاربتها. فالحملات التي حاربت التدخين جعلت شوكته أقوى بينما الأصح هو التسويق للصحة والاهتمام بها لتتلاشى العادات السيئة الأخرى.
لو سرق حسابي في وسائل التواصل الاجتماعي وكتب فيه سارقه عنوان المقال تغريدة لانتشر الخبر مثل النار في الهشيم، ولكثرت الاتصالات ولتوالت البلبلة من قريب وبعيد، ولتشرفت بتواصل الكثير من الأصدقاء الذين لم أسمع أصواتهم منذ زمن، لأن الأمر سيحقق من الإثارة والشماتة والاستحسان والتهنئة ما لا تحققه كل الكتابات التي كتبتها منذ بدء الكتابة، ولتناولت الصحف الخبر ولكثرت التساؤلات حول زوجتي الثانية ومن هي. والأمر لم يكن أكثر من اختراق لخصوصيتي وحسابي الشخصي الذي قد يحوله البعض لقضية رأي عام.
الأجدر بنا أيها الأحباب أن نتأكد مما ننشر ونتلمس الإيجابية، ونحاول إيقاف تلك الحملات التي نروج بها للكثير من السيئ تحت شعار خاطئ هو محاربته أو توعية الآخرين بأخطاره واستنكاره، والتعلم أننا نقع في الحملات نفسها كل عام.
t.salem@alroeya.com

حين تفقد الجوائز قيمتها

في 28 يونيو, 2014 |
ما أجمل أن نرى التكريم في الجوائز الأدبية في كل مكان، ما أجمل أن يكون لها هذا الحضور، ولكن السؤال هل حققت هذه الجوائز المراد منها؟ هل ما زالت محافظة على القيم التي أسست من أجلها؟
إن من يرى ساحات الجوائز يجد أن الكثير من اللجان التي وضعت لهذه الجوائز لم تتغير منذ أمد، ولا وجود للتجديد حول من سيفوز خارج المجاملات والمعايير التي لا تخلو من تهميش تيارات أدبية وعطاءات مختلفة تستحق التكريم.
حين أتذكر أن الجائزة الفلانية سيعلن عنها قريباً أكاد أتنبأ باسم من سيفوز أو أكاد أجزم أنها أعطيت في إطار مجاملة الأمين العام للجائزة أو حسب رغبته الشخصية، حتى الجوائز العالمية التي نكرم بها نحن من هم خارج الوطن بهدف الترويج والسمعة، للأسف لا تجدي في ما وضعت من أجله، والتاريخ يقول إن الكثير ممن كرمناهم لم يكفوا عن توجيه نياتهم إلينا بمقالة أو كتاب أو غيره، ناهيك عن الأسماء التي ترى جوائزنا تصرف لغيرنا وتعد العدة والعلاقات اللازمة والالتصاق بلجان التقييم للفوز بها، وهذا ما لا يفعله المبدع الحقيقي.
هي دعوة ليعيد كل من هو قائم على جائزة النظر في ما يقوم به من حمل أمانة هو مسؤول عنها، وما زلت أذكر ذلك المجلس الذي جلست فيه فإذا بأحد الأدباء يستفز أحد القائمين على الجوائز أمامي بأن هذه الجوائز لا تعطى لنا وأنها تمنح لمن هم خارج الدولة، وإذا بي أرى اسمه في الصفحات فائزاً بالجائزة ذاتها بعد عدة أشهر من هذا الحادث، وتلك الجائزة الأخرى لم يخرج أعضاء لجنة التحكيم خارج نطاق الدائرة الضيقة لصداقات الأمين العام.
إن رؤيتنا للأمور بنظرة واحدة قاصرة جداً وإننا نحتاج أن نسمع الرأي المخالف وألا نعتبره سلبياً محارباً، ولكننا إذا رأيناه صوتاً صادقاً ربما نستطيع أن نؤسس حركة ثقافية تراكمية إبداعية تقوم على جودة المنتج الذي يشكل ثقافتنا التي ستبقى للتاريخ وسيتناقلها الأجيال. هي دعوة لأن يستقيل كل من لا يجد نفسه القدرة على حمل الأمانة أو ربما تجديد الدماء في الجوائز بعد كل هذه التجارب.
t.salem@alroeya.com

كفى تأثيراً على فرص الإبداع

في 21 يونيو, 2014 |
لا يدرك الكثير من الناس أن أفعالهم لا تصب في تلبية رغباتهم الحقيقية إنما هي محاولة فاشلة لتطبيق نظريات أملاها عليهم الغير دون وعي، حتى إن كان الذين أملوا هذه الرغبات أو الاقتراحات لا يدركون أنهم يقولون ما لا يؤمنون به. وهنا نرى أهمية أن نفكر في الأفعال التي نقوم بها لإرضاء الآخرين أو نقوم بها كي لا يقول عنا الآخرون ما لا نريد أن نسمعه منهم.
مسلسل وثائقي على قناة ديسكفري كان يتحدث عن كيفية أن الدعايات والمسلسلات والأخبار مصممة لمخاطبة عقولنا الباطنة مباشرة، وأنها تقوم بالتأثير على عقولنا الواعية كي تستسلم فتصبح الرسالة أسهل في الترسيخ، وكذلك نحن في المجتمعات نؤثر على الإنسان وكأننا لا نريده أن يخرج من إطار التفكير الجمعي والسائد لأنه بذلك يكون قد خرج من الملة، حتى إن كان تفكيره يعتبر تفكيراً إيجابياً أو أنه يفكر بطموح كبير، فإننا نجد أن غالب من في المجتمع يحارب الخروج عن هذا التفكير الجمعي، حتى لو كان هذا التفكير في أمور شخصية جداً كشراء سيارة مختلفة بسيطة أو ارتداء زي ما مختلف يعتبر من خصوصية الفرد نفسه.
إن بناء الفرد هو الأساس في بناء المجتمع وتحفيز الإبداع والطموح والعطاء ينطلق من الفرد وتشجعه المجتمعات، وهنا نحتاج أن نلتفت إلى كيفية تشكل شخصية الفرد في المجتمع خصوصاً المجتمعات المنفتحة على العالم لأن الإنسان الذي لا يشكل شخصية متفردة تثق برأيها وبذاتها لا يمكنه أن يشكل إبداعاً وانطلاقاً خارج الحدود المألوفة.
ونحن الآن في هذا العصر أحوج ما نكون إلى تلك الشخصيات القيادية الفذة التي ترسم الطريق للآخرين في المجالات كافة، ولن يتم ذلك إلا من خلال تقوية الفرد وبناء الثقة وتشجيع العطاء أو على الأقل عدم التدخل في شؤون الآخرين وترك أبواب التجريب أمامهم ليخطئوا ويصححوا، فيكتمل بناء التجربة التي قد تثمر ثمرة خارج الأطر المعتادة تنقل الإنسانية إلى عالم جديد من الاكتشافات قد يغير صورة الأشياء ويغير تعاملنا مع الحياة بإبداع أكثر من الذي نظنه الآن إبداعاً في تفكيرنا الجمعي.
t.salem@alroeya.com

التقبل الحقيقي

في 14 يونيو, 2014 |
المواقف الحقيقية هي التي تستفزنا، تختبرنا وتخرجنا من راحتنا، المواقف الحقيقية هي التي نواجه فيها أنفسنا وتغيرنا، وبين موقف وآخر نكتشف الحياة وقدرتنا على التأقلم مع الحياة وقدرتنا على المواجهة التي نعيد بها اختبار أفكارنا حين تستفزنا المشاعر، ونلامس الحقيقة بشكل مغاير لما نراه ونؤمن به.
وأصعب تلك المواقف التي ننسى بها أننا لا نملك شيئاً، بل إننا نحاول ونفكر بتغيير العالم، ونقع في فخ التساؤلات التي لا نملك أن نغيرها، وننسى أننا لا نملك إلا حلاً واحداً، وهو إما التقبل أو المواجهة.
والتقبل هنا هو الأفضل دائماً لأن المواجهة تنتهي بالخسارة غالباً خصوصاً إذا ارتبطت هذه المواجهة بالمشاعر المتراكمة، ولا يمكن للمواجهة أن تكون بمستوى راقٍ إلا إذا انسجمت مع التقبل الحقيقي، ذلك التقبل الذي يكون من عمق القلب دون أي مقاومة أو رفض للواقع، وهو الطريقة التي يبدأ منها تغيير الواقع إلى واقع أجمل، لأننا في نهاية الأمر نحيا على أننا لن نتمكن من تغيير العالم ما لم نتمكن من تغيير أنفسنا وتغيير تلقينا لهذا العالم.
وهنا لنغير العالم بدءاً من أنفسنا بدءاً من التقبل الرائع الحقيقي الذي يجعلنا نرى الحقيقة مجردة بعيداً عن شحنة المشاعر التي خلفتها الآراء والمؤثرات الخارجية والمؤثرات التاريخية التي عشناها زمناً.
التقبل هو أن نبدأ من جديد بتلقي العالم ونعيد اختبار الأشياء كما هي لا كما نظنها وأن نرسم طريقنا من جديد بروح الطفولة التي تجعلنا نعيد اختبار الأشياء ونعيد مراحل التجريب لنكتشف شيئاً جديداً في كل مرة نجرب بها الحياة.
التقبل هو بداية الطريق، بل هو الطريق الذي به نتأمل كل ما حولنا فلا نحتاج تغييره ولا نحتاج إلا أن نتماشى معه كما هو دون أن نحاكمه بمنطقنا وبما نظنه بأنه صواب، لأن لا شيء وجد دون سبب مقنع على الأقل لمن قام به أو من فعله أول مرة. وهنا بهذا التقبل نحن نفرض على الآخرين تقبلنا ورؤيتنا للحياة التي تنتج بعد ذلك من قناعة حقيقية لا يداخلها الشكل على الأقل في أذهاننا.
t.salem@alroeya.com

دورة حياة الموظف

في 7 يونيو, 2014 |
تبدأ دورة حياة الموظف عند انتهاء المرحلة الجامعية أو ربما تبدأ حقيقة المواجهة مع الحياة.. مواجهته لنفسه ولما كان يتصوره في الحياة الجامعية. ولن أتطرق الآن للقناعات وكيف وصل هذا الموظف لهذه الوظيفة أو هذا التخصص؟ وما المؤثرات والظروف التي أتت به هنا؟ لكنني سأتطرق للمراحل التي يمر بها.
المرحلة الأولى هي مرحلة الانبهار أو الاندفاع وفيها يبدأ الموظف محاولة تطبيق الكثير مما يؤمن به في ساحة العمل، وهنا يواجه العديد من التحديات أولها أن لا أحد يؤمن بما يقول، وأن لا أحد مستعد للتغيير، وهنا يبدأ المحاولة وتغيير الخطط لمواجهة التيار والبيروقراطيات والعقول المتحجرة كما يراها ويصفها في بدايته.
المرحلة الثانية هي مرحلة يبدأ فيها تلمس ومحاولة إيجاد مبررات لما يقام في المؤسسة، وهنا يبدأ مرحلة من الهدوء يفكر فيها بخساراته السابقة وأسباب التحديات.. وتبدأ هنا مرحلة الشك في ما إذا كان الذي حاول فعله في البدايات صحيحاً.. وهنا يواجه نفسه مرة أخرى ويواجه قناعاته من جديد.
المرحلة الثالثة وهي مرحلة الاستسلام وتنفيذ الأوامر دون أسئلة ودون تدخل.. وهنا يبدأ في محاباة الإدارة وتطبيق ما يطلب منه دون أن يسأل، ونشر الفكر الجديد الذي تبناه.
المرحلة الرابعة هي مرحلة التقليد التام وإنشاء جيل يواكب الفكر نفسه حتى إن كان فكر الإدارة هذا عقيماً لا يملك أي نفس للتجديد والابتكار والتطوير ولا حتى الاعتراف بالأخطاء وتعديلها، إلا القلة التي تكتشف ذاتها وتبدأ بالخروج عن السرب في اكتشاف قدرتها الحقيقية على التجديد والقيادة، والتي تستمر في التطوير دون أن تمر بهذه المراحل، أو أنها في مرحلة ما تكتشف سر النجاح والقيادة التي تبدأ بقيادة الذات والاستمرار.
ولعل بداية المرحلة الأولى وهي مرحلة مهمة جداً يجب استثمارها واستثمار طفولة الرؤية ونقائها والتي ترى ما لا يراه من وقع في الرتابة والبيروقراطية ونطاق الراحة الذي لا يريد الخروج منه أبداً.. وهنا لنتذكر تلك المراحل الأولى ونحاول إعادتها بروح جديدة حتى إن كانت المواجهة قاسية في البداية لكن النتيجة تستحق.
t.salem@alroeya.com

أين تكمن الفرصة؟

في 31 مايو, 2014 |
حين نؤمن بالفرصة نؤمن بالحياة ونؤمن بالأمل يأتي ويرسم طريقنا للحياة، حين نؤمن بتعاقب الأيام ندرك أن الأوان لا يفوت وأن المسافة بيننا وبين الحلم قريبة جداً إذا ما كان الاتزان الداخلي والاستعداد الحقيقي للفرصة.
العمر لا يفوت أحداً والحياة تتجدد كل يوم، وفي كل يوم تشرق الشمس تتشكل حياة وتتشكل فرصة، لكن تطويع النفس وتدريبها بالفكر الإيجابي هو الذي يجعل الإنسان يرى الفرص أمامه، وهو الذي يجعل حتى من المشكلات فرصاً تكبر، فالأسواق ترتفع وتنزل كل يوم والحركة هي التي تشكل الفرص، والمياه التي تجري تشكل الحياة وتعيد الأكسجين للماء لتحيا الكائنات.
هي الفرص التي لا تنتهي ما دارت الأرض وما تشكلت السحب في السماء وما تحركت الأمواج في البحار وما جرت الأنهار.. هي الفرص التي تداعب آمالنا وأحلامنا وتعيد ترتيبنا لنرى بها المدى أجمل وأحلى في الآتي بكل ما به من معنى.
وكأننا حين ندرك وجود الفرص ندرك أن الاستعداد لها هو الحياة وترقبها لاقتناصها هو ما نملكه كل يوم، وكل يوم نتنفس ونحاول وأكبر ما في المحاولة التخلص من رتابة الأفكار التي تعيقنا عن التقدم، وإننا أحياناً لا نرى المعنى في الفرصة لكثرة ما تؤثر علينا الأفكار السائدة الرتيبة التي لا ترى أن يتقدم الآخرون لكنها تؤمن أن النجاح خاص جداً بينما النجاح الحقيقي يعم ويسع الجميع.
حين تبدأ برؤية الفرص عزيزي القارئ ترى ما لا يراه الآخرون وتبدأ مرحلة جديدة في الحياة تدرك من خلالها أنك لا تستطيع أن تأخذ كل الفرص التي أمامك، بل تحتاج أن تركز على الفرص التي تناسبك والتي تستمر معك في مجال تحبه لترى كيف تتشكل الفرصة نفسها وتعيد عرض نفسها أمامك وتعيد التغير مع تغير الوقت والمعطيات التي تبدو أجمل أمامك كلما آمنت بها وكلما ركزت على ما يناسبك منها.
الحياة هي الفرص والفرص لا تنتهي مادمنا نتنفسها ومادمنا نؤمن بوجودها فنراها أجمل وأرقى وأقرب.. إلى أرواحنا، تلامسنا وتلامس كل من يحيط بنا بروح رائعة لنسأل أين تكمن الفرصة المقبلة.
t.salem@alroeya.com

ما لم يقله الصمت

في 24 مايو, 2014 |
من يدرك يا ترى ثقافة الصمت؟ من يدرك أن الصمت بين الكلمات هو ما يشكل جملنا ويبث فيها الأحاسيس؟ الصمت ذلك العجيب الساكن في اللحظات في الحروف في الأصوات، بين أنفاسنا بين أحاديثنا، الصمت استعادتنا كثيراً من نبضاتنا، استعادتنا الهدوء من ضجيج الأفكار ومن تأثرنا بالضجيج الذي لا ينتهي في كل ما يحيط بنا.
من يدرك قيمة الصمت وقوته أحياناً حين يكون، هو من يدرك معانيه حين يضج وحين يحرك الأفكار وكأنه اختزال للكثير وكأنه يتشكل انتظاراً أحياناً فيكون وكأنه دقات الساعة والفترات التي تكون بين ثانية وثانية أخرى في الحياة.
قيل إن الصمت حكمة وقيل إنه مساحة نتنفس من خلالها كي نكون أقوى، وإنه بداية لكثير من الأحاديث، وإنه من أشد الوسائل قوة لإضعاف من ينفعل في وجهك، وإنه أقوى الردود على الحماقات.
الصمت لو أدركنا وجه من وجوه الحياة لا ينتهي، ولغة أخرى لا يملكها من لا يملك نفسه، ولا يملكها من لا يعرف كيف يتحكم بأعصابه وانفعالاته حين يحتاج الأمر ذلك.
قد يكون الصمت قمة في البلاغة وقد يكون عجزاً أحياناً. إنه يتشكل مع المواقف كما يشاء ويبني ما يشاء بين المرء ونفسه وبينه وبين الآخرين، وكم من كلمة خذلها الصمت فخرجت من فم صاحبها فأودت بمكانته وكم من حكاية أنهاها الصمت وكان أكثر تأثيراً من الكلام بكثير.
الصمت حفظ للألسنة مما لا يليق ووقوف في وجه شهوة الكلام يحتاج الكثير من الهدوء الداخلي والصبر والاتزان، الصمت حالة من الترقب به يقف صاحبه على المنبر وقصيدة بلا حروف ولا وزن ولا قافية، الصمت سيد الموقف ولحظة تشكل المعنى ونظرة جديدة للحياة ولحظة الإنصات التي نحتاجها لنشكل التقبل وتلقي رؤية الآخر، وهو أن نعطي أنفسنا فرصة لنرتب الأفكار أو نشكل الجديد منها.
الصمت معنى بحد ذاته بل هو قاموس من المعاني يسكن في التأمل ويسكن في إعادة إعطاء الحياة فرصة لتتشكل أمامنا من جديد دون حكم مسبق ودون شوائب قد تتلف الصورة النقية أمامنا بلا كلام، ولو أنني تركت هذه المساحة بيضاء صامتة ربما كانت الفرصة أكبر لأن تحيا أنت معنى الصمت.
t.salem@alroeya.com

أن تطارد حلماً

في 17 مايو, 2014 |
كثيراً ما تختلف الأحلام في تفسيرها، كثيراً ما نرى أمامنا ما لا نراه، لكنها الأحلام الحقيقية التي تشكل حياتنا، هي مختلفة جداً عن الأحلام التي نراها في المنام فهي لا تملك تفسيراً ولا يمكنك أن تؤولها، لكنها تتملكنا بمجرد وقوع الفكرة في قلوبنا. تأسرنا .. تلملمنا من كل شيء وتبعثنا في طلبها، تلك الأحلام التي توجّهنا نحو المستحيلات وتخرجنا من الرتابة إلى الرحابة في الحياة، تلك الأحلام التي لا تؤمن بما يقف أمامها بالإيمان ولا تعرف سوى أن الحياة مغامرة تحرك كل ذراتنا لنسعى.
أن تطارد حلماً هو أن تسخر كل ما في الحقيقة لتلقاه، وأن تؤمن بأن المستحيل الراسخ والسائد عند الناس ممكناً وأن الحلم الذي يوقظك في الصباح يشكل كل تعاملك مع الحياة وأن الصدق في طلبه يمنحك كل شيء وأن الرحلة تبدأ بفكرة تمتد معك سنوات وسنوات، أن تطارد حلماً هو أن تولد كل صباح والابتسامة على وجهك ترسم الطريق وتشكل بالإبداع ما يمكن فعله للوصول لتدرك لذة الرحلة كل يوم وتدرك أن الحلم يكبر ويتغير ويتشكل ويشكل قلبك، حتى أحاسيسك تختلف اتجاهه مع العمر لكنه يبقى كالقمر في اكتماله يخايلك إن كنت صادقاً معه، تمضي في طلبه تراه أمامك حتى وإن لم يره الآخرون.
أن تطارد حلماً يعني ألا تستمع لكل ما يقال وتشكل قصتك الحقيقية مع هذا الحلم .. تلك القصة التي تعيشها في خيالك بصورة حية وكأنها عرض سينمائي تحيا بكامل أحاسيسك ليتشكل كالواقع في رؤياك، وتكتشف بعد كل هذا أنك تحياه حتى وإن لم يصادفك الوصول، يحيا معك حتى وإن لم تلمسه، لكنك تكتفي بلذة الرحلة وتصادف الكثير مما تحققه وتنجزه وتصادف الكثير من الرائعين الذين يشاركونك الحلم ذاته أو يشاركونك أحلامهم دون أن ينقصوا من حلم شيئاً، وهؤلاء هم الأصدقاء الحقيقيون الذين لا يترددون في وضع أيديهم على كتفك ليقولوا أنت بخير فقط تابع المسير إلى الحلم، أن تطارد حلماً يعني أن تحياه حياة أخرى بجانب كل شيء .. فطاردوا أحلامكم.
t.salem@alroeya.com

هنا الإمارات أيتها الثقافة

في 10 مايو, 2014 |
في المكان المناسب، في الوقت المناسب تجد الثقافة متنفسها هنا، وهنا بذرة جديدة للحياة تجد طريقها إلى الضوء إلى العلياء، هنا الإمارات، وهل نرى مركزاً حضارياً جديداً هنا كما نراه كل يوم، نراه متجدداً عالمياً ينطلق بلا حدود، ينطلق بقيادة سليمة مستمرة متنوعة متكاملة في كل إمارة على حدة وفي منظورها الذي يحقق هذا التكامل والتناغم مع الحياة ومع الإنسان.
في المكان المناسب ويجب أن نكون على قدر هذا التحول السريع في انتقال الثقافة إلى الإمارات والتي نلمسها من خلال معارض الكتاب من خلال التنوع الثقافي، وأن الأنظار الآن تتجه إلى الإمارات في إنسانيتها وفي أصالتها واستمراريتها في العطاء في التطور الاقتصادي والتكنولوجي وقيادة مناحي الحياة كافة، والتطبيق الذي يسهل للبشرية العيش والتحرك والتعبير.
هنا في الإمارات نقول للثقافة إننا نتلمس مكاننا عالمياً، وإننا نمضي لنصل برسالتنا من خلال مثقفينا من خلال ما نحمل من فكر وسلام، وإننا ملتزمون كل الالتزام لنخلق التغيير الحقيقي في الحياة.
هنا وبعد أن أسدل معرض أبوظبي الدولي ستاره في الأسبوع الماضي نرى ثمار البناء الحقيقي في جيل يبحث عن الفكر والكلمة والكتاب وفي جيل يؤسس أن يقود الحركة الثقافية والإعلامية والإبداعية وقيادة تدعم الفكر والتطور والأفكار التي تضعنا في مصاف دول العالم رغم صغر المدة الزمنية ورغم العمر القصير إلا أننا نرى النور ينتشر ونرى اتجاهاً مجتمعياً نحو تحمل مسؤولية المرحلة المقبلة، تلك المسؤولية التي تكبر كلما كبر طموحنا وكبر إيماننا بأننا نضيف إلى العالم حين نضيف إلى أنفسنا، المبدأ الذي مضت عليه دولتنا ومضت بنا كل تلك السياسات التنموية الحقيقية المستمرة الجادة التي نرى أخبارها كل يوم من إنجاز إلى آخر.
هنا ونحن نجني الثمار من خلال الجوائز والمؤتمرات والدعم، هنا والأنظار التي تتجه للإمارات آن أن نعلن أننا لن نتوقف وأننا سنزرع بذرة العمل والعطاء في كل منزل من خلال الفكرة والكتاب، وأننا سنجني ونرسم طريقاً يحقق للإنسانة الرقي الذي تستحقه والسلام الذي تطمح إليه في شتى المجالات في كل إمارة وبكل الطرق لنقول إننا هنا في المكان المناسب في الوقت المناسب .. هنا الإمارات.
t.salem@alroeya.com

إنستغرام

في 3 مايو, 2014 |
كان التجهيز لرحلة الصيد في البحر كبيراً، وكان الرفاق على أهبة الاستعداد، وفور الوصول وقبل الصعود على القارب بدأت رحلات التوقف والتصوير .. تصوير المركب والخور والسيارات والقارب وعِدة الصيد والتصوير الجماعي، كل ما كان ظاهراً هو أنها رحلة لصيد السمك، ولكن التصوير كان مستمراً في كل اللحظات حتى بدأ صيد السمك.
لم يكن صاحب المركب يدرك الأمر، لكن صاحبنا بدأ يكتشف مع كل سمكة صغيرة كانت أم كبيرة أن فريق الأصدقاء لم يكن في رحلة صيد بقدر ما بدا كأنه في رحلة تصوير يثبت كل منهم للعالم أنه صياد ماهر، وأنه شجاع وأنه قوي إلى أن عاد الفريق وحاول كل منهم أن يهرب من توزيع السمك والظفر به، لأنه حظي بما يكفيه من التصوير.
هذه الرحلة تشبه الكثير من رحلاتنا اليومية، تشبه وجبات الطعام التي تصور عشرات المرات قبل أن نبدأ بالأكل، تشبه كل الوجبات التي تُطهى من أجل الانستغرام ومن أجل أن يقال كذا وكذا.
والشاهد من الأمر أننا أصبحنا نعيش أكثر من حياة، حياة حقيقية لا نظهرها، بل نكاد لا نكتشفها أو نتحدث عنها، وحياة على الإنستغرام يرانا بها من يرانا حتى وإن كساها الزيف والرياء فتظهر وكأنها مسلسل يوحي لمن يشاهد بأشياء لا تكشف إلا جزءاً بسيطاً من الحقيقة من غير الصورة الكاملة التي قد نرى عليها الإنسان حين نراه في حياته اليومية خارج الأقنعة.
بل إننا أصبحنا نؤمن أحياناً بأن هذا الزيف هو حياتنا التي لا يمكننا أن نتخلى عنها، وأن الأمر واقع لا يمكن تغيره، والأغرب أننا نستنكره على الآخرين دون أن نلاحظ انخراطنا في الأمر ليل نهار في كل تصرفاتنا، صدق الكثير من الأصدقاء الذين قالوا إن هذا العالم الذي كنا نسميه افتراضياً لم يعد افتراضياً، لكنه أصبح واقعنا الذي نحتاج إلى أن نتحكم به ونسيطر عليه قبل أن يتمكن منا وقبل أن يتملكنا القلق الذي ينتج من كل هذه التناقضات التي نراها في يومياتنا، أهم ما في الأمر أنني أترككم الآن لأصور المقال على الإنستغرام قبل نشره.
t.salem@alroeya.com

«لا تدلعونهم»

في 26 أبريل, 2014 |
لا أجمل من النعمة تظهر في حياتنا من خلال ما نملك من خير، لا أجمل من أن نرفل في معيشة الملوك التي نحياها، ولو أننا نظرنا إلى سالف العصر، لوجدنا أن من يحيا حياة متوسطة هنا تعادل حياة ملوك الترف في تنوع النعم والأكل ووسائل التنقل والترفيه وسهولة العيش في التاريخ، وأننا نملك قوت آلاف الأيام في أرصدتنا، وأننا ننام آمنين في أسرابنا ليل نهار.
والسؤال هنا: هل يدرك أبناؤنا، أبناء الآيباد، في يومنا هذا قيمة هذه النعم ومعنى أن تكون الحياة سهلة، بعد الصعوبة التي مر بهم جيل لا يسبقنا بكثير؟ فعجلة التسارع تزيد كل يوم ومن لا يدرك قيمة النعمة، وصعوبة عدم الحصول عليها لن يتمكن من مواكبة أقل مصاعب الحياة شراسة، والنعيم لا يبقى أبداً.
إن ما نحتاجه لأبنائنا هو أن يكونوا في طرف يقدر قيمة الحياة ويدرك صعوبتها في العالم، كي يتمكنوا من تقدير ما يملكون، فلذة السعي والحصول على الأشياء لا تقل أهمية عن أهمية الحصول عليه أياً كانت، بل إن تقديرها لا يتم إلا بالسعي ووضع الأهداف، وإن من يملك القيمة ويقدرها لا يريد لأبنائه إلا السعي والمضي في الرحلة، الأمر الذي يجعلهم أقوى في مواجهة الحياة، ويجعلهم يقيمون كل شيء.
كان كبار السن يحضوننا دائماً بكلمة «لا تدلعونهم» ويقصدون بها الأبناء أو يقولون بقلبك حبه وبيديك لبه، بلهجة محلية عميقة تعني أن تفصل بين الحب والإفراط في الدلال، وأن تتيح لأبنائك فرصة الخطأ والتعلم من الظروف القاسية والصعبة، ومراقبة ردات أفعالهم في بداياتهم، لأنها ستشكل ما يعتمدون عليه في حياتهم لاحقاً من مبادئ ومعتقدات تسهم في نجاحهم من سواه.
الحزم والقسوة أحياناً من الحب هذا الأمر الذي لا يدركه الأبناء بسهولة في بداية حياتهم، لكنهم حتماً يقدرون ذلك حين يصبحون آباء ويعلمون قيمة الأشياء، حين يدركهم التعب في الحصول عليها ولا أجمل من لذة الراحة بعد هذا التعب، فالحياة هي التناقضات التي نحياها بفكر وعاطفة، فنرى تأثيرها علينا وتواترها في الأجيال، وختاماً «لا تدلعونهم».
t.salem@alroeya.com

هل معك درهم يا سيدي؟

في 19 أبريل, 2014 |
في يوم ما ولعدم وجود الكثير من الدراهم المعدنية في سيارتي قررت أن أتناسى الدفع حين أقف في الموقف المدفوع، لأنجو مرة وأخالف من قبل مصادفة مرور شرطي المخالفات مرة أخرى. ولكن هذه الخطة أدت إلى ازدياد كمية المخالفات وتراكمها بشكل مخيف، فأحببت أن أجرب خطة أخرى وهي تجميع الدراهم النقدية المعدنية بشتى الوسائل، لتجنب المخالفات المرورية بسبب الوقوف دون التسديد.
بدأ الأمر بكلمة لا، فكلما سألني الكاشير هل معك درهم يا سيدي؟ تكون الإجابة لا مباشرة حتى قبل التحقق، والخطة الأخرى هي ممازحة بائع الكرك لأحصل على بقية العشرة دراهم عملات معدنية تعينني في مسألة تصفية المراهنة مع رجل المخالفات.
الشاهد من الأمر أن الدراهم التي تراكمت عندي بكمية كبيرة جداً فلم أعد أحتاج أن أقف أو أبحث عمن يسلفني درهماً في كل مرة أقف فيها في موقف مدفوع الأجر، حتى إنني أحياناً أتصدق على بعض الحائرين بنصف دراهمهم التي لا يبلعها جهاز الدفع، والأجمل من ذلك أنني أحصل على خصومات بسبب عدم توفر الدراهم في جيبي وكلمة لا أملك درهماً أحياناً قد تؤدي لأن يتغاضى البائع عن الدرهم بدل أن يترك المحل ويذهب للبحث عن الدراهم ليحاسبني، فضلاً على أنني أصبح أقوى حين أقف أمام بائعة المقهى، فتسألني هل لديك أربعة دراهم؟ لأقول لا بكل ثقة وآخذ ما تبقى من الدراهم التي تملكها ولا تريد التخلي عنها.
أدركت الآن أن الدرهم الذي أتركه زهداً في المقهى أحياناً يكون أغلى على المقهى من أن يتنازل عنه لصالحي إن كنت أنا صاحب الحق، وكذلك الحياة في الكثير من الأمور التي نتنازل عنها طيباً فنكتشف أن هنالك من يستغل هذه الطيبة وهذا التغاضي ويكوّن ثروة من وراء هذا التراكم الذي يبدأ بقراره عدم التنازل عن أي درهم وعدم قبول عكس الفكرة في التنازل للآخرين كاستراتيجية.
أتمنى من كل قارئ يملك درهماً لا يحتاجه أن يحوله لحسابي لأن الخطة المقبلة هي أن أصل إلى مليون درهم بالاستراتيجية نفسها.
t.salem@alroeya.com

تسونامي الأحداث

في 12 أبريل, 2014 |
مازلت آسى على كل الذين يتابعون الأخبار ليل نهار، على كل الذي يتأثرون وتتناثر مشاعرهم أمام التلفاز كل الذين يتناولون كبسولات ارتفاع ضغط الدم ليأخذوا بعدها جرعة أخرى من أخبار كي تحافظ على ارتفاع الضغط من جديد.
مازلت أحاول أن أقنع بعض كبار السن بالتخلي عن متابعة الأحداث وبداية صناعة أحداثهم السعيدة في الحياة، تلك الحقيقة التي لا يملك الكثير منا مواجهتها بأننا لا نملك أن نغير الأحداث، ولكننا نملك أن نغير تأثرنا بها.. نملك أن نغير بعض قناعاتنا هنا وهناك لتكون حياتنا أفضل، كل ما يدور حولنا من أشياء مبهمة في الأخبار لا تصل بنا إلى أن نرسم طريقنا، بل إنها تسهم في تشتتنا أكثر.
كل ما أريد أن أبينه أن كل هذا الانفتاح التكنولوجي كان أسرع من أن نستوعب أننا نحتاج أن نحمي عقولنا وأحاسيسنا من تسونامي السرعة والأحداث وأخبار العالم وشبكات التواصل الاجتماعي، أن نحمي أنفسنا حتى من جارنا الذي يزور تلك الدولة الأوروبية ويرسل لنا صورها لتترسخ صورة الحاجة إلى زيارتها، أن نصل إلى أننا نتعامل مع كل ذلك بحذر واحترافية في غربلة ما ينفعنا وما يضرنا بحيث نعيد سيطرة الاختيار على حياتنا من كل شيء، نعيد سيطرتنا على تربيتنا لأبنائنا من الترسيخ الذي تكرسه كل هذه الوسائل التي تختار لنا ما نركز عليه، وتختار لنا الأغنية التافهة التي نرددها دون أن ندري لأنها على الآيباد وفي الإنستغرام وفي المطعم وفي كل مكان.
كل تلك الأشياء ترسخ حتى الكتب التي نقرأها والتي نرفضها لنصل أحياناً إلى أننا نشك في أنفسنا وفي أذواقنا، لأننا لم نعد نستوعب وندرك ونتابع كل الموجات وكل الموضات التي تتناثر علينا في كل مكان هنا وهناك.
أصبح العالم أصغر، نعم. أصبحت الأمور أسهل، نعم. ولكن إنسانيتنا بدأت تتراجع وبدأت الضغوط تأكل صفونا وهدوءنا الذي نحاول بشتى الطرق أن نستعيده، لكن التيار قوي جداً أقوى وأكبر من أن نستوعبه بكثير. ويبقى السؤال الكبير ما الذي ننتظره بعد من كل هذا أو كيف يمكننا أن نعود لذواتنا؟ والإجابة أتركها لكم.
t.salem@alroeya.com

الاستسلام أسهل بكثير

في 5 أبريل, 2014 |
ما أسهل أن يتعلق الإنسان بأمر ما ويشغف قلبه به، ما أسهل أن تعجبك فكرة تجعلك تغامر بوقتك وجهدك لتحقيقها، تلك الفكرة التي قد تقرأ عنها أو تتخيلها أو حتى تسمع عنها، لتتخيل نفسك تقوم بها وتنجح فيها، وغالباً ما تقول في نفسك: «إن كان فلان يستطيع فأنا أستطيع فعلها أيضاً».
لكن ما يحدث لنا في البدايات أننا نركز على كيفية القيام بالفكرة وتطبيقها، ناسين أهم ما في الأمر وهو الأسباب الحقيقية وراء هذه الفكرة والتي تشكل الارتباط العاطفي بها.
ولا تكون الفكرة حقيقة على أرض الواقع إلا إذا كان بها من الأسباب ما يكفي، وكان بها من الحماس ما يستفزك كل صباح لتقف أمام المرآة فتقول أنا سأحقق ذلك.
إن الوقوع في حب فكرة ما سهل جداً ولكن الاستمرار والإصرار يحتاج روحاً لا تيأس ولا تتأثر بالمحيط، روحاً تملك القوة لتخوض كل الحروب الداخلية والخارجية التي تقف أمامك وأمام الوصول، فقد قيل إن العائق الحقيقي أمامنا وأمام وصولنا ليس ما نجهله ونريد تعلمه، ولكن العائق الحقيقي هو في الأمور التي نعرفها ولا ندرك أنها غير صحيحة أبداً.
إن الخوض في مسائل الفكر والعاطفة والتحقيق أمر متعب جداً لأن فيه مواجهة للنفس، فيه مواجهة للعوائق الداخلية وطرق التفكير الخاطئة قبل كل شيء، والأصعب من ذلك هو مواجهة المشاعر التي قد تمتد إلى أبعد من الوقت الحالي كارتباطها بمواقف الطفولة والتأثر عاطفياً بفكرة قد تشكل استسلاماً عاطفياً لا ينتهي أمام الحياة.
كل الذين أصروا وأحبوا أفكارهم وتعلقوا بها وصلوا، كل الذين آمنوا بأن الوصول الحقيقي هو الاتزان الداخلي وتنظيم طاقة الإنسان التي تجعل الاستمتاع بالرحلة هو الوصول وصلوا، والعكس تماماً حين تجد أن من يقول بعمل لا يحبه ولا يدرك أهميته ولا يملك الثقة الحقيقية لم يصل.
وختاماً أقول إن المعادلات في التحقيق والوصول ثابتة وبسيطة، عليك الإيمان بها، وترسيخها قد يأخذ من العمر والتجارب وتغيير القناعات الكثير، والأدهى أن الكثير أمامنا يستسلمون مبكراً ويرسخون في المجتمع ثقافة الاستسلام وأن لا جدوى من الاستمرار.
t.salem@alroeya.com

بين الوقت والوصول والحلم

في 29 مارس, 2014 |
للأشياء وقتها وللأفكار فرصتها، لم تكن النخلة لتثمر مرتين في العام الواحد ولم تكن النخلة لتستعجل وقت تفتح أكمامها، وكذلك الأفكار التي تأتي حياتنا فتحياها مشاعرنا لنحولها إلى أعمال، هي لم تكن إلا لوقتها مهما استعجلناها ومهما آمنا بأننا نستحق وجودها الآن في حياتنا.
إن الاستعداد الحقيقي في الحياة للأحداث والفرص لا يقل أهمية عن وجودها في حياتنا، فمن يؤمن باستمرار الحياة يؤمن باستمرار الفرص وتشكلها وأنها قد لا تأتي بوقتها، أو أنها تأتي حين تغيب اليوم، بثوبها الجديد بشكلها الأكثر نضوجاً، أو أنها تأتي لاحقاً حين نكون مستعدين لها كل الاستعداد.
الأسواق تتحرك كل يوم، يربح بها من يربح ويغتنمها من يغتنمها ويتفرج عليها من يتفرج، وكذلك الوقت الثابت في حياتنا جميعاً يمر علينا بالتساوي ولنا الاختيار دائماً أن نقرر ما نفعل به أو ما لا نفعل.
لا شيء أكبر في الحياة من أن يمضي الإنسان في هدفه، في رسالته في الحياة التي يؤمن بها مهما كانت تلك الرسالة بسيطة بنظر الآخرين، ومهما كانت هذه الرسالة غير واضحة في بداية الطريق، فالتجارب هي التي تحدد المسار، وهي التي تشكل القناعات التي تحدد الأفعال دائماً وأبداً.
إذا ما آمن المرء بما يقوم به وملك من الإصرار ما يجعله أكبر من التوقف وأكبر من كلام المحبطين مهما كانوا قريبين، فالمحبطون يتسللون إلينا دائماً بالشك والتشكيك، حتى إن لم يكونوا على علم وتعمد لما يقومون به، فوحدهم الذين يدركون أن رحابة الحياة أكبر من المحبطين بكثير وأكبر من الاستعجال يمضون في تحقيق أحلامهم بثبات مهما كانت الظروف ومهما كان الثمن.
لا شيء يقف أمام الهمم العالية، ولا شيء يقف أمام الاستمرار والإصرار إذا تعمق في روح الإنسان، وفي الوقت نفسه نجد أن الساعة الزمنية التي بدأنا بها موضوعنا تأخذ وقتها كما تشاء لتأخذ المياه مجاريها في حياة الإنسان.
كل تجربة تستحق.. وكل إنسان تجربة مستقلة لا يمكن مقارنتها بغيرها.. ولا يمكن تقييمها ولكن يمكن تقبلها وتلقيها بروح رحبة تمنحنا زاوية أخرى للنجاح.
t.salem@alroeya.com

كل عام وأنت بخير أيها الشعر

في 22 مارس, 2014 |
كل عام لا ندري هل نحتفل بك أيها الشعر أم نبكي عليك؟ كل عام لا ندري ماذا نقول وأنت لم تعد ديواننا، ولم تعد ذلك الذي يسامرنا، ولم تعد وسيلة إعلامنا. كل عام ونحن نمر بيومك والقصائد لا تجد من يرددها ومن يحتفي بها ومن ينشرها ومن يطبعها ومن يراها برؤية حقيقية.
كل عام والشعراء ليسوا أبناءك البررة كما عهدتهم، وأنت لست كما كنت في قلوبنا ولا في مدارسنا، وأنت لم تعد تطربنا ببحورك. كل عام ونحن مازلنا نختلف في ماهيتك، ونقيم ندوات لا يحضرها أحد، وننقدك كما نشاء ونراك كما نشاء، ونتجاهلك كما نشاء ونعبث بإنسانيتك كما نشاء، كل عام وأنت لست في مكانك الصحيح ولا ندرك كيف نعيدك إلينا أو نفر منا إليك إلى قصيدك أيها الشعر.
كل عام ونحن نتمنى لك أن تكون سعيداً.. رغم كل هذا نتمنى أن تعود غزلاً صادقاً عفيفاً خالصاً تضيء الليالي وترسم القلوب وتتغنى بها وتطرب باللقاءات.. كل عام ونحن مازلنا نعيد تاريخنا بك رغم كل شيء.. نقف على أطلالك، ونثير النقع في خيولك التي خلدتها، ونرى الأماكن التي ذكرتها، ورغم كل شيء لا ندرك إن كان هنالك من أبنائنا من سيتذكرك أو من سيجدك سهلاً ممتنعاً جميلاً أنيقاً بهياً يانعاً تصف الحياة وترسم الأضواء، أو أنك ستعود إلى تاريخك أو أنك ستتجدد وتجد لنفسك طريقاً أو ثوباً جديداً تقابلنا به بعد كل هذا العمر وبعد كل هذا التاريخ الذي
بيننا وبينك.
كل عام وأنت تدرك كل ما أقول، وتدرك أنني أعاتبك وأعاتب نفسي وأعاتب الشعراء أصدقاءك الذين ضاعوا في غمرة كل شيء وتركوك وحيداً، تركوك لتفكر في نفسك قليلاً أو ربما تتجدد كما تتجدد النسور بعد عمر لتعود للحياة أقوى بعد أن تبدل ريشها وتكسر مناقيرها، لتبدأ دورة جديدة للحياة تطير بها إلى الأعالي فتحلق من جديد بروح جديدة.
أنت أيها الشعر.. نتمنى لك في يومك العالمي أن تعيد حساباتك معنا.. مع شعرائك لعلك ترسم طريقاً جديداً.. وكل عام وأنت بخير أيها الشعر.

المدرسة لا تعلم

في 15 مارس, 2014 |
حينما نعود لطفولتنا وللسنوات التي درسنا بها نحاول أن نتذكر الأشياء التي تعلمناها في المدرسة لا نملك إلا القليل، لكننا قد نتذكر الأصدقاء ونتذكر بعض المعلمين الذين أضافوا إلينا بحكمتهم بابتسامتهم أكثر مما أضافت إلينا المدارس من خلال التعليم النظامي الذي اتخذ التلقين شكلاً في الكثير من المواضع ليخرج جيلاً مستنسخاً من المدرسين، وأكرر المدرسين لأن المناهج وضعت من قبل الموجهين والمدرسين معاً، فخرجت لنا بشكلها الحالي خالية من التطبيق العملي الذي يضيف إلى حياتنا.
إذا تأملنا الحصيلة الحقيقية من المدرسة نرى أنها ابتعدت كثيراً عما يعيننا في حياتنا اليومية، فالمدرسة لا تعلمك كيف تقيم علاقاتك وتعبر عن ذاتك، ولا تعلمك كيف تختار ما تحب وتبدع به كل الإبداع بأن تتخصص به بتوجيه من مدرس يكتشف الإبداع في مراحل متقدمة. والمدرسة لا تعلمك كيف تحافظ على صحتك وتبني عادات نفسية وعقلية وجسدية لتشعر بالسعادة بالتركيز على الإيجابية في الحياة.
وهنا نتساءل إن لم تكن المدرسة قادرة على زرع تلك الأمور الحقيقية، والتي تعتبر حاجة في نفوس الطلاب، فما جدوى هذا التعليم الحقيقية؟
لست هنا لألغي المدرسة وأهميتها، ولكنني هنا لأخلق تساؤلاً يضيف إلى الحقول التربوية الكثير من قيادة الذات وتوجيه الإبداع واكتشاف المواهب، ما سيخلق جيلاً يمكنه أن يغير ويتغير في ظل هذا التطور الكبير والسريع في الحياة. فالأمر الآن أكبر بكثير من الذهاب إلى الفصل الدراسي وتعلم اللغة والرياضيات، فالتشتت الذي تسببه كثرة المعلومات يحتاج الكثير من ترسيخ الثوابت في الذات وترسيخ المفاهيم في النجاح والتميز الصادق حباً في العمل والعطاء والإضافة إلى الحياة انطلاقاً من الفرد إلى الأسرة إلى المجتمع.
هذه دعوة إلى المعلم، إلى المدرسة، إلى المربي لأن يبتكر طريقة للتعليم تتناسب مع الحاجات الحقيقية للطالب كإنسان يكبر ويصبح تاجراً ومبدعاً وموظفاً يستطيع تحمل المسؤولية بفتح الآفاق والاختيارات أمام الإنسان خارج الأطر المعتادة ليعيد التطور والابتكار بما يتناسب والعصر وسرعة الحياة، لأن المدرسة بشكلها المعتاد لا تعلم، وقد اكتشفنا ذلك بعد مدة طويلة في الحياة والتجارب.
t.salem@alroeya.com

البضاعة الجيدة لا تسوق نفسها

في 8 مارس, 2014 |
غالباً ما نسمع عبارة أن البضاعة الجيدة تسوق نفسها، تلك العبارة التي جعلت الكثير من الذين يملكون بضاعة ما يلقون بها إلى الكساد أو اللوم ليبدؤوا بلعب دور الضحية في الحياة، في الوقت نفسه تجد الشخص الذي يقول هذه العبارة يردد أن الشيء الجيد لا رواج له، ومن هذه النظرية وتلك.. رأينا أن الكثير من الذين وضعوا هذه المقولات قواعد في حياتهم يكيلون بها بمكيالين حسب الحاجة، أو حسب ما يشعرون في تلك اللحظة.
خلال حواري مع الشاعر حسن النجار عن تجربتي في إحدى المحاضرات حين طلب مني أن أتحدث عن تجربتي الشعرية التي وجدت نفسي بها أتحدث عن كل الإيجابيات التي مررت بها خلال رحلة سنوات وكل المحطات، طرح سؤالاً مهماً حول مهمة الشاعر والكاتب في التسويق للجمال، ما ينافي العبارة التي طرحناها في أن البضاعة الجيدة تسوق نفسها، وهنا من خلال الحوار اكتشفنا أن البضاعة الجيدة لا تسوق نفسها لكنها تنأى كثيراً ويبقى على الساحة ما يسوق نفسه بغض النظر عن الجودة.
كم نحتاج أن نسوق للجمال.. كم نحتاج أن نسوق لأننا نقع في أخطائنا خلال محاولاتنا.. وأننا نحاول كل يوم كي تكون الدنيا أجمل.. وكي نرسل رسالة الأمل بحروفنا، ببضاعتنا الإنسانية التي نحتاج أن نرسلها إلى أبنائنا وإلى الأجيال .. وأن نزاحم بهذا التسويق كل الذين يسوقون للأخبار السلبية التي لا تضيف إلى الحياة ولا تمت إلى الإنسانية بصلة، كم نحتاج أن ندرك أن الفرح الحقيقي لا يتلاشى لكنه يكبر بمشاركته الآخرين وأن النجاح يكبر بالتسويق له والتركيز عليه.
البضاعة الجيدة لا تسوق نفسها لذلك نحتاج لمسوقي الجمال في كل مكان، في كل حين، يرسمون بأرواحنا جمالهم ويكررون علينا كل حين دون ملل مفردات الجمال وتفاصيل الحياة والأوقات. نحتاج أن نكرس أغلب الأوقات في خدمة ما نؤمن أنه بضاعة جميلة، كي نحيا هذا الجمال حقيقة دون أن نمل من الترويج، ودون أن نتوقف عن الإصرار على التغزل بروعة كل شيء.
t.salem@alroeya.com

تراش باك

في 1 مارس, 2014 |
بين حين وآخر تخرج لنا موضة في ألعاب الأطفال لا نستطيع أن نتقبلها، لكننا رغم هذا وذاك نجد أنفسنا ننساق بعد هذا الرفض لنصبح نحن من يروج لها أكثر منهم، ولا نرى حرجاً أن نطلع على ما يفعلون، نشاركهم مشاعرهم.. تحدياتهم.. رؤيتهم.. انسجامهم.. وربما حتى تعاملهم مع هذه الألعاب.
كان آباؤنا في تناقض كبير بين أن يتركوا مجال اللعب أمامنا وبين محاربته لأنه يعتبر مخالفاً للجدية والدراسة والتحصيل، رغم أن لحظات اللعب تلك أسهمت في سجل ذكرياتنا وتاريخنا وأحلامنا وربما هي التي رسمت مستقبلنا الذي نحياه حاضراً الآن.
في محاضرة على برنامج تيد كانت تتحدث عن الألعاب، بينت تلك المحاضِرة أهمية اللعب وأهمية الشغف والجانب الإيجابي الذي قد تضيفه هذه الألعاب من تنمية للعقل واللعب الجماعي وتكوين المجموعات وروح القيادة كما في بعض الألعاب المنتشرة الآن بين أبنائنا، والتي فشل الكثير من الآباء في معايشتها واستخلاص الإيجابية منها، فيكون موقفهم تجاهها إما الرفض الظاهري أو الداخلي الذي يبدو منكشفاً أمام أبنائنا الأكثر ذكاء منا، فيتخذون هم موقفهم أيضاً، إما اللعب بالخفاء أو كسر هذا الروتين لشعورهم أن الآباء لا يفهمونهم.
في لعبة انتشرت مؤخراً بشخصيات بلاستيكية يملكها كل طفل ويأخذ طرفاً ويضع قوانينه في اللعب بحيث يأخذ من يسقط لعبة الآخر لعبته.. الكثير الكثير من التأمل والتحدي بين الآباء والأبناء، فهذا التحدي ينمي روح المغامرة لكنه في الوقت نفسه يبعد الأبناء عن الشاشات التي بدأت تغزو حياتهم وحياتنا حتى أصبحت واقعاً.
كل ما آمله هنا من هذا المقال أن نكون أكثر اطلاعاً على ألعاب أبنائنا وأن نغرس فيهم بذرة وأن نربطها بالحياة، بالربح والخسارة والتعامل معهما وارد.. وقيادة فريق حتى في لعبة بسيطة تنمي شيئاً.. وأن يدير الطفل حواراً بين أصدقائه ويحاول بيع أو شراء حساب لعبته على الإنترنت أمر لا نفهمه، لكننا لو نظرنا إليه بإيجابية فقد يكون فرصة للحوار وتشكيل قناعة هذا الطفل دون أن نفرض عليه قناعة الآباء الدكتاتورية.. عن إذنكم عندي دور تراش باك ويّا سيف.
t.salem@alroeya.com

صديقي الإيجابي أنا لستُ سلبياً

في 22 فبراير, 2014 |
لعلنا مازلنا نقع في إشكالات وجهات النظر التي ترسخت في أذهاننا عبر سنوات فلا نقبل سواها، ولا نقبل أن نغيرها. ولعلنا نحتاج الكثير من الاتزان لنرى وجهة نظر غير التي نؤمن بها باتزان حقيقي دون أن نحاكمها ودون أن نصبغها بتعصبنا.
إن النظر إلى الأمور باتزان يحتاج الكثير من الصفاء الذهني، ويحتاج الكثير من التقبل، فنحن مازلنا نقع في فخ عدم التقبل حين نواجه بكل تاريخنا العاطفي تلك الوجهة التي تخالفنا والتي لا نؤمن بها فتستفزنا، وهنا أعني بعض المفردات التي ترسخت فأصبحت تستخدم في اتهام الآخرين ووضعهم في دوائر تعمم طريقة تفكيرهم.
لنأخذ على سبيل المثال مسألة الإيجابية التي فرضت نفسها في حياتنا بترسيخ كبير من المحاضرين الذين يرسمون الإيجابية دستوراً ثابتاً في الحياة وكأن الحياة تخلو من السلبية، كأننا ننعم بالمثالية التي تدير كل شيء، فيصبح استخدام كلمة كن إيجابياً في كل شيء في كل حين.. حتى تفقد الكلمة معناها.. وحتى ننسى أن هناك وجهة نظر أخرى غير التي نؤمن بها فنعتبر كل ما يخالفنا سلبياً ولا نتوانى في إطلاق الحكم على الرأي الآخر بأسرع ما يمكن حتى لو كنا سنستفيد من وجهة النظر الأخرى، وكأننا نفعّل نظرية المؤامرة كلما استمعنا لوجهة النظر الأخرى لنصدها بطريقة واضحة تخرجنا من مأزق المناقشة الراقية، حتى إن كانت هذه المناقشة ستضيف إلينا.
كم نحتاج أن نتزن في طرحنا وأن نتقبل ما يخالفنا إذا ما قيل دون تحيز وتجريح ودون فرض حتى.. وهنا تأتي مسألة النيات والمشاعر في تحديد الشخصيات التي أمامنا والتي قد تطلق اتهامها لك بسهولة تامة.
صديقي الإيجابي أنا لستُ سلبياً وصديقي السلبي أنا لست إيجابياً أيضاً لأن لي الحق بأن أكون بينكما، وأن أتخذ الصمت أحياناً أو حتى عدم التعليق على الأمر، بألا أنحاز إلى طرف وأسميه إيجابياً، وألا أنحاز إلى الطرف الآخر فأسميه سلبياً وأتخذ بين ذلك سبيلاً.
لعلني هنا أطلق ما يعيد النظر في سرعة تصنيفنا للآراء والأشخاص فتتسع رؤية الحياة أكثر فأكثر.
t.salem@alroeya.com

نسيت شيئاً من روحي في نابل

في 15 فبراير, 2014 |
منذ أيام كنت في نابل، ولمن لا يعرف فنابل هي تلك المدينة الساحلية التي تبعد حوالي الساعة شمال شرق العاصمة التونسية، تلك المدينة الحالمة في بساطتها وروعتها. لم تكن مشاركتي في نابل في ملتقى الشعراء العرب هي الأولى على مستوى المشاركات العربية، لكنها بلا شك كانت مميزة جداً بالاحتفاء والشعراء المشاركين، كانت نابل تغني بأرواح الشعراء، بأحلامهم، بأمانيهم، بأسئلتهم، بكل شيء.
في كل مرة أدعى لأمثل صوتاً إماراتياً شعرياً في الخارج أتردد لما في هذا من حمل أمانة التمثيل، ولما في ذلك من تعبٍ قد يؤثر على إجازاتي التي أتحملها من رصيدي ولما في ذلك من تعب على أسرتي، لكني آمل في كل مشاركة أن تكون مشاركة وطنية تحمل روح هذا الوطن التي قد تتمثل في ما أكتبه من شعر.
هذه هي المشاعر التي قد يحس بها كل من يكتب ويشعر أنه ينتمي لوطنه، وربما يتمنى أحياناً أن يحتفى به هنا قبل فوات الأوان كما يحتفى به في الخارج، وربما يتمنى المبدع أن يصل بكلمته برسالته إلى العالم بسلام، إن أكبر إيمان الشعراء والمبدعين أن يقدروا حق التقدير تقديراً لرسالتهم في الحياة، وأن يحتفى بنتاجهم الأدبي، وأن تسلط هذه النهضة الإعلامية التي نحياها جزءاً من ضوئها على الثقافة والعطاء.. فما يقوم به المبدعون كبير وما يطمحون له أكبر، لكن التجاهل يطحن المبدع في معمعة الحياة ليجد نفسه أمام قرار ترك الإبداع كما فعل الكثير ليركزوا على معيشتهم ووظائفهم.
رأيت خبراً لمدينة أمريكية توفر مسكناً لكل شاعر وكاتب تقديراً له على عطائه، فمتى يكون ذلك في مدينة عربية ما على خارطة هذا الوطن العربي؟ ومتى نجد من يهتم بالكتاب الإماراتيين اهتماماً يشابه الاهتمام العالمي الذي نراه؟ ومتى تتخلص الساحة الثقافية من شلليتها وتطبيلها للبعض دون الآخر؟ ومتى تجد الأصوات الشابة مكانها في المؤسسات الثقافية؟ وأسئلة أخرى.
نسيت شيئاً من روحي هناك في نابل.. وعدتُ بأسئلة كبرى إلى عملي الهندسي لأترك الشعر وشأنه قليلاً، لعل الإجابات تتشكل أمامي ذات يوم.
t.salem@alroeya.com

الموظف والمعاملة

في 8 فبراير, 2014 |
في محاضرة صوتية لـ «دينيس ويتلي» تحدث عن أهمية معاملة الموظفين معاملة تليق بهم، تلك المعاملة التي يستحقونها والتي بها يعاملون العملاء الحقيقيين، وذكر دينيس أن من أفضل الشركات في معاملة الموظفين في ذلك الوقت شركة قامت على أساس الاهتمام بالموظف بتقديم الخدمات كافة له تلك الخدمات التي يحتاجها في تأمين حياته وأسرته واستثماراته وتعليمه وتعليم أبنائه. والشاهد من الأمر بأن المؤسسة هنا تقول للموظف إنني سأهتم بك اهتماماً حقيقياً صادقاً بنيةٍ يشعر بها هذا الموظف ويراها واقعاً عملياً أمام عينيه، وكل ما على هذا الموظف التركيز عليه هو الاهتمام بخدمة العميل بأعلى مراتب الجودة والاهتمام لتعم الفائدة على الجميع.
إن ما يحصل من استنزاف للموظف أحياناً من معاملة تسيء إليه حتى إن بعض التصرفات الحمقاء من الأفراد أن يقوم مدير ما بابتزاز الموظف عاطفياً كأن يتمنن عليه ويقول له بأنك لن تجد وظيفة خارج هذا المكان لذا عليك أن تعطي المزيد، يقلل من قدرة الموظف على العطاء بعد مدة من الزمن لأنه يشعر أن لا فائدة من زيادة العطاء لأن هذا المدير لن يكتفي ولن يقدر وسيطلب المزيد، ما ينعكس مباشرة على العميل الحقيقي.
إن الدين المعاملة والنية هي الأساس لأن الموظف يشعر بهذه النية ويتأثر بها عاطفياً فيتأثر عطاؤه مباشرة وكل الذين يتحدثون عن النفسيات يقولون بأن العطاء يكبر حين تكون مستويات الراحة النفسية والجسدية والفكرية في أعلى مراتبها، ولكن البعض مازال يعامل البشر بأسلوب لا يضيف إلى الحياة ولا يضيف إليهم ويظن أن الضغط هو الذي سيزيد الإنتاجية.
لسنا في العصر الصناعي إنما نحن في عصر الإنسان، عصر تكبر فيه الفكرة وتحقق ما لا يحققه المال وما لا يحققه أي شيء آخر يُستنزف بالقوة، نحن في عصر التواصل الاجتماعي وعصر استخدام المعلومات بشفافية تضيف للجميع لإنسانيتهم قبل أن تضيف إلى أرصدتهم والمؤسسات التي لا تؤمن بذلك ستسقط في المستقبل القريب والمؤسسات التي تركز على الإضافة للموظف والإنسان والحياة ستحيا والأمثلة أمامنا كل يوم.

حتى أمي تستطيع الغوص في البحر

في 1 فبراير, 2014 |
مازلت أتذكر صورة أبي بملابس الغوص القديمة حين كان في دورته التدريبية في أمريكا أيام كانت مهنة الغوص بالأجهزة مهنة خاصة جداً لا يمكنك ممارستها إلا بعد تدريب مستمر وخاص غير متوفرٍ في دول الخليج، تلك الصورة التي ترسخت في ذهني مع ذلك المدرب الذي مازلت أتذكر اسمه وهو «آلان وود» حيث كان أبي يستدعي التفاصيل كلما أراد أن يلقي بحكمته لأسمعها دون أن أعيها في ذلك الوقت.
كان أبي يقول لي حين كنت أرافقه في رحلات الغوص في صغري بالطبع ليس الغوص القديم ولكنه كان استعادة لجمع المحار للمتعة أن «آلان وود» كان يقول: حتى أمي تستطيع الغوص في البحر!
كانت هذه حكمة المدرب الذي يردف ليبين سهولة الغوص باستخدام الأجهزة وأن استخدام الأوكسجين والأحمال والقفز في الماء لا يتطلب الكثير من الفراسة والحكمة، ولكن الصعوبة هي في معرفة كيفية الخروج من الماء في حالة الخطر والتعامل مع الفجاءة التي قد يتعرض لها الغواص أثناء الغوص.
وهنا أشير إلى مسألة مهمة في البدايات وفي خوض البعض في مسائل لا يمكنه الاستمرار بها أو لا يمكنه تخمين صعوبتها إلا حين يجربها ولكنه كذلك الغواص المبتدئ الذي يستسهل الأمر وينسى ما في بعض الأمور من خطورة قد تودي بحياته إذا لم يتمكن من اتخاذ الحيطة واستخدام الحكمة في التعامل مع الأمور، ومعرفة نفسه وقدراته قبل أن يخوض في التجربة ليتحمل المسؤولية كاملة دون أن يلقي باللائمة على البحر أو سمك القرش أو الأكسجين أو الأدوات.
وكذلك الأمر في تشابهه في الكثير من الأمور الحياتية يستطيع طفل في العاشرة قيادة سيارة لكنه قد لا يملك من الحكمة ما يمكنه من التعامل مع المخاطر وأخذ الحذر والنظر إلى الصورة كاملة إلا بالتدريب الحقيقي والرغبة والاستمرار والإصرار ليصل من يصل في الطريق ويستسلم للانهزام من يستسلم.
والكتابة على سبيل المثال قد تشكل استسهالاً خطيراً لدى البعض فينهزم أمامها من ينهزم ويكمل الطريق من يملك الشجاعة الحقيقية ولك عزيزي القارئ أن تقيس على ذلك ما شئت من حياتك.
t.salem@alroeya.com

الزر السحري

في 25 يناير, 2014 |
في حياتنا نصادف الكثير من المواقف التي تؤثر فينا، بعضها يمر بنا مرور الكرام وبعضها يجعلنا نبتسم ونمضي، وبعضها يرسخ في قلوبنا ولا ينتهي، الغريب أننا في هذه المواقف نسمح لأنفسنا أحياناً أن نأخذ فكرة عن الأشخاص والأماكن حين تلامس هذه المواقف قلوبنا، ولا بأس إن كانت هذه الملامسة حانية لكنني أتحدث هنا عن المواقف التي يقف فيها من يقف أمامنا فنسأل:
»لماذا يعاملنا الآخرون هكذا؟»
غالباً ما يكون هذا السؤال نابعاً من تراكمات أو من تشبيه بين موقف وموقف .. وغالباً ما إذا سألنا هذا السؤال تكون الفكرة قد ترسخت في أعماقنا، والأخطر أننا قد نغلق باباً للحوار مع أشخاص لا نسمح لهم بعد ذلك بتغيير هذه الفكرة، ولا نسمح لهم بالدخول إلى قلوبنا، وقد تكون هذه الفكرة أيضاً عن مكان ما .. فنختار أن نراكم في ذاكرتنا هذه التجربة والموقف فنعيده مراراً وتكراراً لنستدعي لحظة الألم كلما تذكرنا هذا الموقف أو المكان، أو كلما مر علينا اسم معين فيعكر علينا صفونا ويعكر علينا حضورنا.
والسؤال هنا الذي أطرحه: هل كان هؤلاء يعاملوننا كما كنّا نظن؟ هل كان ذلك المكان سيئاً فعلاً؟ هل كانت تلك التجربة كما تلقيناها؟
وهنا ومن خلال طرح الشك أحياناً نكتشف أننا كنا مخطئين في تلك الفكرة التي ترسخت، وكنا مخطئين لأننا لم نسمح لأنفسنا أن نعيد اختبار المكان وأن نترك لشخص ما فرصة أن يثبت عكس الفكرة التي ترسخت في أذهاننا .. فالحياة رحبة جداً .. وربَّ لحظة لم نكن بها على ما يرام منعت عنا الكثير من التواصل الإنساني والكثير من الاستمتاع بالأماكن واللحظات.
ماذا لو كان لدينا ذلك الزر السحري الذي يعيدنا لنقطة الصفر؟ يعيدنا إلى إعادة اختبار الكثير من الذين صادفناهم، إعادة اختبار الأماكن بأن نمحو به الفكرة المسبقة فنعود إلى الحياة بروح جديدة لا ترى إلا الصورة المجردة بكل ما تحمل من إنسانية تبتعد عن التاريخ والثقافة السابقة وآراء الآخرين، ووحده هذا الزر الذي سيجعلنا نعيد اكتشاف الحياة بروح أقرب لروح الطفولة التي تكتشف الحياة من جديد كل يوم.

أنت بلا منصبك

في 18 يناير, 2014 |

يبدأ المرء حياته عادة ببساطة في وظيفته بتدرجه في تعلم الأشياء، يبدأ بكامل تواضعه بروحه التي تنتمي لحب اكتشاف المجهول في الوظيفة، في الهواية في الشغف في كل شيء، وما يلبث أن يتطور حتى يبدأ ثقته بنفسه، تلك الثقة التي تجعله يتدرج في تطوره في كل شيء ليصل إلى منصب ما في مكان ما، فيبدأ بناء حياته على أساس وجوده في المنصب.
وكلما كبر هذا المنصب زاد أولئك الأصدقاء الذين يترددون إليه، أو زاد عدد الزملاء الذين يتحولون إلى أصدقاء، وربما يشاركونه في كل المناسبات.
ماذا لو كنت أنت صاحب ذلك المنصب؟ ماذا لو كان كل من هم حولك يطلبون ابتسامتك ورضاك في العمل، ماذا لو كان هؤلاء أصدقاء الوقت إذ لوتجردت من هذه الهالة التي يضيفها إليك منصبك لظهر الكثير منهم على حقيقته، ولبقي معك من كل من هم حولك، من هو صادقٌ في مودته ومن أضفت إليه أنت بصدق وإنسانية خارج المناصب والهياكل الوظيفية. نعم، سيبقى من أحبك لذاتك وسيتذكرك الناس بمعاملتك لهم وسيتذكرونك بكل التفاصيل الدقيقة التي أسأت بها بقصد أو بغير قصد، وستذكر الألسنة كل المواقف وسيشمت من يشمت وسيقف بجانبك من كان فعلاً معك في كل حالاتك بصدق وربما حتى يدافع عنك في غيابك.
أنت بلا منصبك إنسان بسيط جداً تذكر ذلك، تذكر أن تسأل عن الآخرين، عن الموظفين والزملاء، وتبتسم في وجه بائع الشاي، وتذكر أن تراعي من يستحق المراعاة وأن تتذكر الزملاء في الأوقات التي يكونون بحاجة لكلمتك الصادقة أكثر من أي شيء آخر، وتذكر أنك وحدك من يرسخ في مشاعر الناس احترامه خارج منصبه وخارج نطاق العمل لتمتد ذاكرتهم بك.
تذكر أنك بلا منصبك ستلمس حقيقة البشر وحقيقة من كان يجاملك وحقيقة من هو صادق في ودك، وتذكر أن تبني في نفوس الآخرين ما يجعلك أكبر بكثير من هذا المنصب، وأن الرجال الحقيقيين هم الذين يضيفون إلى مناصبهم لتصبح الدنيا أسمى برسالة واضحة لا تحتاج المزيد من التفسير.
t.salem@alroeya.com

الكتّاب الرائعون المغمورون

في 11 يناير, 2014 |
كثيراً ما تجول بخاطري أسئلة حول المنشور في الساحة من مقالات وكتابات وقصائد، وكثيراً ما أجد نفسي أمام مبدعاً كبيراً لا صوت له في الصحف ولا في المحطات الإذاعية، وليس له نصيب من المقابلات والأمسيات والحفلات والتكريم، وكثيراً ما أقف أمام النشر بمعناه نشر الكلمة الحقيقية الصادقة موقفاً يرى أن عملية الانتشار هي فن بحد ذاته، فالكثير من المبدعين يركز على الكتابة ولا يركز على نشر كلمته، بينما يكون لأنصاف المبدعين نصيب كبير من الانتشار لأن تركيزهم يصب في التسويق لما يكتبون بوسيلة أو أخرى بعلاقة أو أخرى.
وهنا أعود لدور المؤسسة الثقافية التي كانت هي الرقيب لما ينشر والرقيب حتى على وسائل الإعلام، ولكننا الآن في ظل كل هذا الانفتاح أصبح العبء على المبدع أكبر في تسويق نفسه ونتاجه الأدبي والفكري، الأمر الذي لم يستوعبه الكثير من المبدعين، فوقفوا وقوف المتفرجين أمام كلمتهم وأمام نتاجهم، ولم يقوموا إلا باللوم والإنكار لما يحدث بدلاً من العمل ومواكبة التطور وخلق وسائل التواصل والتسويق لرسالتهم الفكرية والأدبية، وهو الأمر الذي جعل ما يسد هذا الفراغ من قبل من يملك وسيلة التسويق والعلاقات الاجتماعية في الصحف والمجلات والمؤسسات الأهلية وغيرها.
كم أتمنى أن يقف مبدعو الإمارات وقفة، وأن تكون هناك جلسة حقيقية ربما بتنظيم جهة مسؤولة بأن يكون النقاش على شكل ورشة عمل تنهض بالإبداع، وتضع طرقاً للتسويق للمبدع، حتى وإن كانت تجارية أو غيره، لكن الهدف الحقيقي من ذلك هو الارتقاء بهذه الواجهة الثقافية التي تعد مظهراً صحياً للتطور الثقافي في دولة الإمارات، مواكباً كل هذا التطور الاقتصادي الرائع الذي نحياه بشكل أو بآخر، وهنا نحتاج الكثير من رحابة الصدر خارج المجاملات من قبل المبدعين والمؤسسة الثقافية، ونحتاج أيضاً لأن يرتقي الإعلام بحريته في تقبل وجهة النظر الأخرى، وتقبل الاختلاف الصحي الجميل الراقي الخارج عن الخلافات الشخصية، وتقبل أن هنالك أصواتاً شابة بدأت في شق طريقها بثقة، لتتولى العملية الثقافية والإعلامية بمسؤولية وقدرة عالية على التأقلم مع ما يحدث في العالم من تغيرات وانطلاق.
t.salem@alroeya.com

سلاسل الفيلة

في 4 يناير, 2014 |
من القصص التي مرت بي هي قصة الفيلة التي تربط أقدامها في التدريب في السيرك منذ الصغر بالسلاسل القاسية التي تعيقها عن الحركة، هذا التصرف الذي يجعل مقاومة الفيل للسلاسل كبيرة جداً في البداية حتى تضعف، فيقرر الفيل في يوم ما وفي لحظة ما أن يتوقف عن المحاولة للأبد، وبعد ذلك يستبدل المدرب السلاسل بحبل رفيع جداً يمكن للفيل قطعه بسهولة، لكن قرار الفيل في عدم المحاولة يحول بينه وبين ذلك.
ويقال أيضاً إن حريقاً اشتعل في إحدى خيم السيرك ما تسبب في احتراق عدد لا بأس به من الفيلة المربوطة بالحبال الرفيعة التي لو شدها الفيل بقوته لقطعها بسهولة.
كم من هذه الحبال موجودة في أفكارنا كل يوم، تعيقنا عن تحقيق ما نريد، وكم من هذه الحبال الرفيعة تمنعنا من الوصول إلى أحلامنا، وكم من هذه الحبال نظنها سلاسل، ولكنها في الحقيقة ما هي إلا خدعة تلعبها علينا تلك الأفكار أو القناعات التي استقيناها أو شكلناها بشكل أو بآخر، حتى قررنا في لحظة ما لا ندركها أن نتوقف عن المحاولة حتى آمنا أننا لا نستطيع.
أحبائي نحن لسنا فيلة، لكننا نحتاج أن نعيد اختبار كل تلك الحبال والسلاسل، ونعيد اختبار تلك الأفكار التي آمنا من خلالها أننا لا نستطيع .. فنجرب مرة أخرى .. ونحاول ونحاول ونحاول .. حتى نتمكن من فك هذا اللغز الذي يكمن سره وإجابته في عقولنا وأذهاننا .. وأسهمت مشاعرنا في ترسيخ القناعة التي حالت وتحول دون الوصول إلى ما نريد، حتى إننا في لحظة ضعف نؤمن بأن الاستسلام هو الحل الذي سيريحنا من هذه المحاولة، أو من تعب التفكير في الوصول إلى ما نريد.
هي دعوة لأن نعود إلى أحلامنا الضائعة في أذهاننا، والتي كلما فكرنا بها ضقنا، لأننا آمنا يوماً ما بأننا مكبلون بهذه الحبال التي ربطنا بها أنفسنا، ولم نسمح أن نكرر المحاولة بعد حين على الرغم من أننا ملكنا من الطاقة والعلم والخبرة ما يكفي لإزالتها من حياتنا ومتابعة النجاح والانطلاق أبعد مما نظن بكثير .. في الطريق الذي نريد.
t.salem@alroeya.com

مفصل الوقت

في 28 ديسمبر, 2013 |
صعبة هي الأشياء حين نشعر بصعوبتها وسهلة حين نشعر بسهولتها، ونحن بين السهولة والصعوبة نرى الحياة تتسع كلما اتسع إدراكنا للحياة وكلما اتسعت الفرص التي نسمح لأنفسنا باقتناصها لنرى ما لم نتمكن أن نراه من زاوية أخرى غير التي تشكلت بها ثقافتنا ورؤيتنا التي اكتسبناها من المدرسة والأسرة والأحباب.
ولعلنا نسمح لأنفسنا أحياناً حين يضيق كل شيء أن نعود لنمارس طفولتنا في مفصل الوقت، فنسأل ونعيد اختبار الأفكار والأحاسيس التي نمر بها كلما راودتنا الذكرى في موقف أو زمن، ولعل ذلك الزمن يرتبط بالأحاسيس في ذاكرتنا خصوصاً عند البدايات والنهايات، فنرى وكأننا نرى لأول مرة تلك الفترة التي مرت من عمرنا أعواماً وحكايات ولقاءات .. وربما إنجازات لم نكن لندرك معناها إلا إذا أحصيناها ووضعناها أمامنا بإنصافٍ، لنبدأ مرحلة جديدة، ونرى الحياة بشكل جديد في كل مرحلة.
يقول جيم رون وهو محاضر من المحاضرين الرائعين: «لا تبدأ يومك حتى تنهيه في مخيلتك تخطيطاً، ولا تبدأ الأسبوع حتى تنهيه تخطيطاً، ولا تبدأ الشهر حتى تنهيه، ولا تبدأ السنة حتى تنهيها»، ويحث على أن تقف في نهاية كل أسبوع لتراجع أهدافك وما وعدت به نفسك أن تنجزه وتضع خطة الأسبوع القادم. وهنا نسأل إن كنا فعلاً نضع ما يشبه ذلك في دفاترنا أو حتى تدون إنجازاتنا الصغيرة كل يوم والتي لا يمكن التقدم من دونها، ولا يمكن أن نحقق إنجازات كبيرة ما لم نقدر كل تلك الإنجازات التي نمر بها في كل لحظة فتصنع أيامنا، وتحرك بنا عجلة الاستمرار في الرقي وطلب المعرفة والإدراك لأبعد الحدود بلا نهاية.
وهنا فقط سنشعر بلذة اللحظة وبالتراكم الذي نقدمه للحياة حين نقف أمام عام أو شهر نعيد فيه حساباتنا ونسامح أنفسنا وأخطاءنا، ونضع أحلاماً وأهدافاً قادمة للحياة على كل الأصعدة المادية والمعنوية والجسدية وحتى العاطفية والنفسية والأسرية وغيرها .. ولعلنا بذلك نضع للعقل طرقاً مختصرة ليقودنا إليها كلما لامسنا التقاعس أو التكاسل قليلاً.
هو الوقت يمضي وأمام كل منا فرصة لأن يضيف إلى الحياة بأن يضيف إلى نفسه أولاً، وينطلق لكل الأبعاد للآخرين للوطن وللعالم.

حمدان الذي باع كتبه واشترى المقهى

في 21 ديسمبر, 2013 |
حمدان صديقي هو ذلك الأديب الذي أمضى حياته بين الكتب والشعر والأدب، هو من حرث التراث وبدأ في الإبداع في مرحلة متقدمة من عمره حين اكتشف موهبته بعد دخوله تخصص القانون لأنه لم يجد من يكتشف موهبته مبكراً. كان حمدان يطمح أن يلتفت أحدهم إلى أدبه وعلمه وشعره، لكنه اكتشف مؤخراً أنه لا يستطيع تسويق بضاعته بالشكل الذي يضمن له العيش من خلال موهبته، فقد اكتشف أن المؤسسة الثقافية والإعلامية تدار من خلال العلاقات الاجتماعية لا الجودة، تلك العلاقات التي لا يتقنها حمدان كما أنه لا يتقن التسويق لنفسه، لذلك فإن أمله في نيل الشهرة والجماهيرية التي قد تحقق له الحضور والمبيعات لكتبه أمر مستحيل.
فكر حمدان في أن يبيع حقوق كتبه العشرة لمؤسسة ثقافية لتشتريها منه بثمنٍ بخس، وهو يعلم أن هذه المؤسسة لن تتكفل عناء التسويق له ولمنتجه أو تتكفل في نشر كتبه للناس وأنها ستضعها في أكبر مستودع للكتب، لكنه بالمبلغ القليل قرر أن يأخذ سلفة من البنك ويشتري مقهى، لعله يجد طموحه من خلال العمل خارج الأدب فيهرب من الوظيفة التي كانت تعيقه عن الإبداع فيتفرغ للقراءة.
ومع بداية المشوار فكر حمدان أيضاً أن هذا المقهى هو الخلاص مما كان يعتبره عبودية الوظيفة، لم يدرك حمدان في بداية الأمر أن المقهى سيوقعه في نفس مشكلة التسويق التي كان يعاني منها في المجال الأدبي والوظيفة، وأنه سيضطر إلى التعامل مع التكاليف والعمال والإيجارات وتكاليف التشغيل، لكن الصورة الملونة قبل البدء في المشروع كانت أجمل بكثير من الواقع، وهنا وبعد سنوات وبعد الكم الهائل من الديون وجد حمدان نفسه بلا مقهى وبلا وظيفة وبلا كتب وبلا معاش تقاعدي، لأنه كان قد استقال ليضع نهاية الخدمة في مشروع العمر الذي أصبح كالجمعية الخيرية التي قرر أن يتوقف عنها بعد كل هذه الخسائر مع ارتفاع الإيجارات وغيرها.
حمدان أيها المسكين، عد إلى الوظيفة عد إلى قلمك وتعلم بعض أساسيات التسويق ولامس ما يريده الناس لا ما يريده أدبك وفكرك.
t.salem@alroeya.com

 قلباً لقلب

في 14 ديسمبر, 2013 |
العلاقات هي التناغم ولا شيء سواه، هي أن ندرك حين نكون في طرفٍ رغبات الطرف الآخر وأحلامه، هي أن نراعي كل المراعاة الأحاسيس والأفكار والأفعال، هي أن نضع أعذاراً وأن نسامح وننسى، هي أن ندرك أن لا كمال هناك، لكننا نحاول أن نرسم الحياة معاً نخوض تفاصيلها، كلٌّ حسب رؤيته للحياة.
كثيراً ما يُتعب العلاقاتِ ذلك التوقعُ الذي يضعه طرف في ذهنه دون أن يصرح به، دون أن يلمح له حتى، لكنه يتوقع من الطرف الآخر أن يفعله كما يريد. فالطرف الأول هنا وضع نفسه خارج العلاقة، ووضع نفسه في مأزق أن يبحث عما يلوم به الآخرين ظناً منه أنهم لا يفهمونه أو يحاولون ذلك متعمدين، هنا يجد نفسه أنه حمّل العلاقة خارج ما تحتمل من خلال هذه الرومانسية الزائفة التي توقع فيها ما لم يفصح عنه وأنه لن يملك الشجاعة للتصريح به، لكنه قد يملك الشجاعة ليضعه في قلبه حسرة وألماً، باعتباره إنقاصاً من اهتمام الطرف الآخر حتى يأتي اليوم الذي يلومه به عليه.
إن أساس رقي العلاقات يأتي من التفاهم والتواصل الحقيقي قلباً لقلب، حتى التفاهم على معاني الكلمات فالكلمات كالاهتمام مثلاً تحمل الكثير من التأويلات والتفسيرات عند كلٍّ من الأطراف، فلا بأس أن تفسرها مع من تحب أن تشاركه توقعاتك من العلاقة أن تصارحه بما لا تحتمل دون أن تجرحه ببساطة كبيرة، وعليه أيضاً أن يتقبل ذلك برحابة الاختلاف واتساع أفق التفاهم.
العلاقة هي أن نسمو بأحاسيسنا وأن نسمح لأنفسنا أن نتقبل ونستمع وبعيداً عن التأويلات والأحكام المسبقة، أن نعطي الحياة فرصة لتتشكل في أرواحنا وتتجدد، أن نرى ما لا نراه كل يوم في الطرف الآخر وأن نسمح له أن يحيا حياته ونحيا حياتنا لنلتقي في نقاط الرقي والمودة والحب من جديد على طاولة التفاهم. ننسى الماضي ونبدأ من جديد دون أن نكرر الأشياء التي تعكر صفونا، دون أن نتوقع شيئاً فيصبح القليل الذي نرسمه بيننا مفاجأة جميلة ولو كانت بسيطة كل البساطة. العلاقة هي احترام حرية الطرفين وتحقيق السعادة في المساندة الحقيقية قلباً لقلب.
t.salem@alroeya.com

كل حلم وأنتم بخير

في 7 ديسمبر, 2013 |
لعلنا نختلف كثيراً في معنى الحلم، أو في ترديده في الحياة، لعلنا ننسجه في خيالنا قبل كل شيء في كل البدايات .. ذلك الحلم الذي يستهوي قلوبنا فنمضي في طلبه على الرغم من كل واقعيتنا في الحياة .. ذلك الحلم الذي لا يعرف الحدود ولا يؤمن بالمسافات ولا يؤمن بالموت في أرواحنا، ولعل كل الذي تحقق في حياتنا بدأ حلماً جميلاً عذباً .. بدأ في القلب تحدياً للواقع مستفزاً له لنسعى، ولنتذكر حلم الشهادة حلم النجاح حلم الزواج أو أي حلم جاءت به مخيلتنا ليترسخ في أحاسيسنا فيتشكل حقيقة في حياتنا.
لعل القيود الفكرية أيضاً هي التي ترسخها المجتمعات والأسر لتمنعنا حتى من الأحلام، وكأن ذلك الصوت المتهكم الذي كنا نسمعه منذ الصغر .. فيستفزنا ليقول: «لا تحلم وايد» .. يأتينا كلما حاولنا التفكير خارج الإطارات .. خارج الحدود .. لكن الإدراك الحقيقي المترسخ في الحياة يعيد نفسه هو أن الحالمين هم الذين يعيدون ترتيب الحياة، هم الذين يؤمنون بما يحلمون فلا تتوقف أرواحهم في طلبه حتى يتحقق أمام أعينهم، ليبدأ حلم جديد أروع وأكبر بكثير من الحلم الماضي، ولعلنا حقاً نحتاج أن نسرح بأحلامنا فنجعلها أكبر بكثير، ونشارك كل الإيجابيين في السعي في طلبها كما ينبغي، دون أن نخشى الوقوع في الخطأ .. دون أن نلتفت للمنتقدين الذين يقلقهم الحلم كثيراً، فهم يحاولون رؤية المشاكل فقط دون الالتفات إلى الآفاق، يرون في كل حل مشكلة لا العكس كما يرى الحالمون.
لنعلم أبناءنا كيف يحلمون .. ولنأخذ أحلامهم على محمل الجد، لنسمح لهم أن يغتنموا فرصة جديدة كل يوم للخيال والحلم والغرق في الجمال .. لتكون الحياة أجمل وأحلى، لننظر إلى ما نريد أبعد بكثير مما نحتاج، لنسرح كثيراً ونؤمن أننا على قدر أحلامنا وأن وصولنا على قدر خيالنا بلا حدود بلا قيود.
هنا أدعوكم أن تكتبوا أحلامكم أن تستدعوها من طفولتكم .. أن تفكروا فيها كثيراً وأن تحلموا من جديد كل يوم .. كل لحظة .. لعل حلماً يرى النور فيغير العالم إلى عالم أفضل يعمه السلام والحب والوئام .. وكل ما نتمنى .. وكل حلم وأنتم بخير.
t.salem@alroeya.com

من يشتري مثقفاً

في 30 نوفمبر, 2013 |
في لحظة ما تمنيت أنني لاعب كرة قدم محترف، لي الجمهور ولي الملعب الأخضر ولي الكرة التي لا تخطئ المرمى، تمنيت أن أخلق ما يحرك مشاعر هذه الجماهير، وما يستفز حميتهم للحديث عن الأهداف التي سجلتها، تمنيت أن البطولات التي شاركت بها في حضرة آلاف الجماهير تسجل تاريخي الكروي الذي لا تدور المجالس إلا ويذكر فيه .. تمنيت أن أفتح الصحيفة يوماً لأجد الأخبار عني والمقالات التي تمجد الهدف أو خبر الملايين التي عرضت على النادي والتي لي منها نصيب كي أُباع للنادي الآخر.
وفي هذه اللحظة تذكرت أنني أنتمي إلى مجموعة ليس لها نصيب في الأرقام، وهنا أذكر قصة صديق لي له من الكتب ما له، وله من الأبحاث ما له، ولكن ليس له من التكريم ولا حتى الجوائز الثقافية التي تصيب أرضاً غير أرضه شيئاً، ليس له إلا أن يستمر على أمل كاذب وهو أن يخلده التاريخ ويخلد علمه وعمله وكأنه يعيش في زمن غير زمنه ويكتب لعصر غير عصره، حتى كتبه التي هي كل ما يملك لا تباع ولا تشترى، وحفلات توقيعه لا يحضرها أحد رغم أنه يوزع كتبه بالمجان في هذه الحفلات، تراه يحضر في أمسية لا يحضرها أحد إلا الأصدقاء بدعوة خاصة لأن الخبر لم يأخذ أكثر من حيز سطر واحد في الصحيفة.
هذا الصديق الذي له فئة قليلة تؤمن به، ويؤمن بأن الفئة الكبرى تتجاهله ولا تؤمن بأن يكتب ليحيي التراث أو ينشر الأدب، وأنه يشكل هوية ثقافية تسجل تاريخ الحاضر والمشاعر بشكل أو بآخر، فضلاً عن أنه يحمل من الانكسارات ما يحمل تجاه المؤسسات التي تدعو غيره غالباً إلى الحضور وتنسى أن تدعوه، وتنسى هذه المؤسسات أن تحضر كتبه حتى في معارض الكتاب لأنهم يعتبرونها قديمة وليس لها سوق، متناسين أنهم من يسوق لهذا المنتج والمثقف المكسور.
أعزائي إلى كل من هو هنا، من يشتري مثقفاً بربع ما يشتري به لاعباً في نادٍ مغمور، من ينقذ هذا الموقف المتأزم فعلاً أو على الأقل يفرّغه للكتابة والعطاء؟
سؤال لا أريد له إجابة.

كن مقلقاً جداً

في 23 نوفمبر, 2013 |
من الشجاعة أحياناً أن تواجه بعض الأشياء مواجهة صعبة ومقلقة خصوصاً على المستوى النفسي، كأن تسأل نفسك عن الأشياء التي لا تحب أن تقوم بها، وتحاول أن تجيب عن السبب الحقيقي الذي يؤدي بك إلى عدم القيام بهذه الأعمال، وهنا قد تجد نفسك تواجه ضعفك الحقيقي وخوفك الذي لا يمكنك إظهاره بسهولة أمام الآخرين لكنك تجد نفسك تقبع خلف أقنعة أو قناعات تبين لك عكس ما تبطن، وقد تكون هذه هي الصورة التي تتحدث بها عن نفسك أمام الآخرين مغايرة تخفي بها الضعف الحقيقي في نفسك.
إن مواجهة مثل هذا الأمر مقلقة جداً حتى بينك وبين نفسك، فماذا لو أنك حاولت أن تواجه الآخرين بما يقلقهم، بأفكار يؤمنون بها في باطنهم .. لكنهم يعملون ويقولون خلافها خجلاً أو مجاملة؟ أي أن تكون سبباً في إلقاء حجر القلق في المياه الراكدة كل مكان، لتحفز الإبداع وتفتح أبواباً لم تكن مفتوحة من قبل أمام الكثير.
كن مقلقاً جداً حين تتمكن من الأفكار التي بدأت بتغييرها في نفسك حتى وصلت بحجتك إلى مكانة تستطيع بها الدفاع عن الفكرة وتحقيق ما يضيف، إن آمن بها الكثير ممن حولك. كن مقلقاً في الإبداع تنشره وتفتح أبواب المستحيلات أمام من لا يؤمن بفنه أو ما يقدمه، فيقلل من شأنه حتى يكاد يخفيه بدل أن يواجه الأسباب الحقيقية التي تمنعه من مواجهة المجهول ومواجهة التطور.
هذا القلق الإيجابي يخلق التجديد في الحياة ويحقق ما كان مستحيلاً في أفكارنا ويشق طرقاً جديدة تسلكها أنت بداية ثم يتبعك الآخرون حين يرون فيك مثالهم الناجح. ولا بأس إن أثار هذا القلق في بدايته حفيظة محاربي الإبداع بشكل أو بآخر لأنك في نهاية الأمر ستكون مثالاً لكثر من بعدك، وتأكد أن الصعوبة الحقيقية تكمن في بداية الأمر حتى إذا اعتدته فسيصبح من المقلق ألا تثير قلقاً إيجابياً يحقق لنا الجديد ويسهم في الخروج من دوائر التفكير المعتادة لمساحات الإبداع الرحب .. فالحياة لا تتوقف عند فكرة ولا تستسلم أمام أحد.
t.salem@alroeya.com

عندما يبتسم لك الحظ

في 16 نوفمبر, 2013 |
لا ندرك اللحظة التي يبتسم فيها الحظ لنا، لا نعرف فحواها، لكننا في سعينا نمضي في الطريق .. ذلك الطريق الذي يشكل الجزء الأكبر من الوصول بسبب إيماننا ودواخلنا عن هذا الطريق .. ذلك الطريق الذي نمضي به أحياناً ولا ننتبه لما حولنا لكننا نمر بكل أفكارنا ونعيد اختبارها واختبارنا، نعيد قراءة مشاعرنا وأحاسيسنا بشكلٍ أو بآخر. نمضي ونغفل أحياناً أن الدرب الحقيقي هو درب الإدراك الذي يجعل من الحظ وجوداً أنت تخلقه بما تظن أو تؤمن في بعض الحالات.
تلك الرحلة التي كلما تقدمت بها تيقنت أنك الوحيد القادر على تغيير مسار حياتك بشكل أو بآخر بتلقيك للحياة بكل ما فيها، عندما يبتسم لك الحظ تعرف أنك كنت أنت السبب الحقيقي لذلك، فالحظ كان يبتسم لك دوماً لكنك لم تكن تشعر به أو لم تكن تراه.
هو سؤال كنت أنت تسأل نفسك إياه ووحدك القادر على إيجاد تلك الإجابة أو الإجابات في روحك من خلال مراقبة أفكارك والشعور بها وهي تتسلل إلى الأحاسيس وتتحكم بالأفعال والأقوال في زمن أو آخر .. في مكان أو آخر .. ووحدك تعرف أن الحظ كان في انتظارك لتبدأ برحلة تغيير كل شيء لترى ابتسامته تملأ الأرض وتضج في الأنحاء، تشرق مع الشمس تتلون في الغروب، تهمس للحياة تغني للبلابل، تلك الابتسامة التي كنت تفر منها ومن حاضرها لتهرب إلى مستقبل لا يأتي أو إلى ماضٍ لا يعود .. ووحدك كنت تمنح الأرض شكلها وتحدد إن كانت بخير أو غير ذلك.
عندما يبتسم لك الحظ ستبني بيوتاً من الأمل، وستحيا في الأحلام وستعانق الغمام وتشعر بالطيران في كل حين برغم كل الذي سيقال عنك وبرغم كل الأفكار التي ستحاول أن تعيدك في دائرة التحكم في الماضي، في التفكير في الرفاق الذين كانوا يؤثرون في كل ما لك وما عليك بحثاً عن مثالية لا تكون. عندما يبتسم لك الحظ ستدرك أن لم تكن تدرك الكثير، ستدرك أن كل ما مر بك عبر الزمن قدرٌ كنت تظنه حظاً لا يبتسم أبداً وعمراً لا يرى في حياتك إلا المسير إلى المجهول.
t.salem@alroeya.com

البضاعة


كثيراً ما أصادف نوعاً مختلفاً من البائعين، وهذا النوع يملك المنتمون إليه بضاعة يؤمنون بها ويزينونها كل يوم ويحاولون استيراد وإنتاج المزيد منها دون أن يتعبوا أنفسهم بدراسة السوق. هؤلاء البائعون يملكون من الأسباب ما يمكنهم من تفسير السوق كما يشاؤون .. فهم يلومون السوق ويلومون المشترين والظروف، ولا يفكرون أبداً في إعادة التفكير في بضاعتهم أو دراسة أسباب عدم انتشارها.
هؤلاء البائعون يرون نجاح الآخرين، ولا يكفيهم لوم المشترين بل يزيدهم نجاح الآخرين لوماً وحيرة، فهم يصفون بضاعة الآخرين- حتى إن كانوا أقدر منهم في بيع بضاعتهم- بالبضاعة الرديئة التي لا يمكن لهم أن يشتروها أو ينتجوها لإعادة بيعها.
هؤلاء البائعون كتّاب وشعراء ارتضوا لأنفسهم عدم التفكير في ما يوصل رسالتهم إلى الآخرين تحت وهم النخبوية، وارتضوا أن يكتبوا بلغة لا تصل إلى القراء .. وبالتالي استطاعوا أن يلقوا اللوم عليهم دون أن يحركوا ساكناً من خلال تغيير طريقة كتابتهم أو محاولة الإبداع في إيصال الصورة بشكل أو بآخر.. ومن خلال التخلي عن النظرة السلبية والانتقال للعمل بشتى الوسائل المتاحة، أو على الأقل الإيمان بمن هو قادر على رسم طريقهم للتسويق لبضاعتهم التي تمنيت لو أنهم لم يطبعوها في كتب لا أحد يشتريها ولا أحد يلتفت إليها، لأنهم بذلك حكموا على الإبداع أن يتقوقع وأن يتلاشى في دائرة اللوم بصورة أو بأخرى.
رسالتي لهؤلاء البائعين أن يتركوا السوق أو يبحثوا في الإبداع ليجدوا أسلوباً ما يوصل إبداعهم بشكل أو بآخر خارج النمط التقليدي المروج له بينهم، وبالتالي فإنهم سيتمكنون من الوصول برسالتهم إن كانت صادقة خالصة غير مستترة بالأنا التي تحاول أن تلفت الانتباه بأن تلعب دور الضحية بصورة أو بأخرى. وأفضل طريقة لذلك هي تحمل المسؤولية كاملة والتعاون الحقيقي المستمر دون انتظار المردود المباشر الآني، وهذا هو السبيل الوحيد لإخراج الثقافة من الغرف المغلقة التي لا يأتيها الآخرون، والوصول بها إلى الشارع والجامعة والمدرسة والحياة بتكسير هذه الحواجز الفكرية التي يتعارض معها تاريخ الأدب، ليصبح هذا الأدب سهلاً خفيفاً في متناول الجميع في كل وقت.
t.salem@alroeya.com

النقد وسلطة الوهم

في 2 نوفمبر, 2013 |
حين كنا صغاراً كانت نسب الإبداع وجرأة القيام بما هو جديد كبيرة جداً، كنا نخطو ونقلد ونتحرك في فضاءات دون الخوف من الانتقاد. وأياً كان نوع هذا الانتقاد أو النقد في حروفه الثلاثة نراه قد تشكل جداراً في حياتنا يقف أمام كل خطواتنا، فبعض هذا النقد كان من زميل دراسة على سبيل الدعابة وبعضه كان من المنزل لاختلاف الرؤية ووجهة النظر، وبعضه من شخص يكبرنا عمراً بهدف النصح وكان بمثابة أنه على صواب ونحن على خطأ، ولأننا أطفال علينا أن نسمع ما يقوله الكبار دون أسئلة.
وأياً ما كان مبرر هذا الانتقاد الذي قد يُبنى على أسس تتجرد من الصحة والمنطقية تماماً تشكل في أرواحنا هذا الخوف من النقد والانتقاد حتى إننا نكاد نفكر فيما قيل أو سيقال قبل أن نبدأ في عمل ما، أو ربما أسهم هذا الوهم المتشكل كسلطة في حرمان الحياة كثيراً من الإبداع أو الأعمال، وكأنه يعطي الآخرين حق الحكم على عملك وتفكيرك وخطواتك حتى إن لم يكن لهم شأن في ذلك، تحت سلطة البحث عن الكمال والتحسين أو ما شابه.
أعزائي النقاد والمنتقدين اكتشفت بعد عمر أنكم تحاولون إثبات أنكم على صواب وتملكون من المنهجية أو الشهادات أو الخبرة والدراسات ما يمكنكم من ذلك، ولا شك لدي في علمكم، لكنني أطرح الشك من خلال أننا بشر لنا ذائقة وأمور داخلية وغرائز لا نتخلى عنها وأننا في نهاية الأمر نقع في سلطة الأنا التي تربط النقد بالذات في محاولة إثبات أن الناقد على صواب بشكل أو بآخر وننسى أن التركيز على الإيجابية يمحو السلبية شيئاً فشيئاً .. هذا إذا كان حديثنا عن النقد كسلطة وهمية سلبياً.
ولو تحدثنا عمن يحول النقد إلى مديح زائف أيضاً فإنه لا يضيف وكل ما نحتاجه خارج المنهجية في تقييم عمل هو كلمة صادقة نقية بسيطة خالية من التعقيد أو ربما نتخذ الصمتَ نقداً جميلاً أنيق المشاعر يصل بود، أو نرسل رسالة خاصة ونشير أنه رأي لا أكثر لعله يفتح تساؤلاً يجعل العمل أبهى.
t.salem@alroeya.com

النتيجة والنجاح

في 26 أكتوبر, 2013 |
كانت لحظات انتظار النتائج في مراحل الدراسة من اللحظات الحاسمة في حياتنا، كنّا على أساسها نصنف أنفسنا في مراتب النجاح المختلفة، كنا نرى حتى وإن كانت هذه المراحل ليست تلك المراحل النهائية أنها فواصل في حياتنا تمنحنا وتأخذ منا أحياناً، وكم كنا نخجل من نتيجة أو نخاف من اللوم الذي قد يصاحب ظهورها بشكل أو بآخر.
ربما يقاس ذلك النجاح الهلامي جداً بالدرجات في تلك اللحظة وكم ربطناه أو ربطه من كان يحاول برمجتنا بذواتنا لحثنا على المزيد من العلم وعدم التكاسل، لكن هذا الارتباط العاطفي بكلمة نجاح وربطها بالتحصيل العلمي سبب لنا ما يكفي من التشتت حين يذكر النجاح أمامنا وكأن النجاح في الحياة درجات نصل إليها.
وهنا نتساءل في النجاح بمفهومه الفضفاض خارج نطاق التحصيل، والباحث في هذا المفهوم يرى أن أغلب الناس يرون النجاح من زاويتهم، ففلان ناجح حين تراه من التحصيل العلمي وقد لا يكون ناجحاً في الكثير من الأمور الحياتية، وفلان ناجح في التجارة قد يكون على حساب عائلته وصحته وغيرها، لذلك يجب أن نكون حذرين جداً في تفسير النجاح، فما يعتبر نجاحاً اليوم قد لا يعتبر نجاحاً بعد فترة بسيطة وغيرها.
أترك لك عزيزي القارئ أن تفسر النجاح بمفهومه العميق .. أترك لك فك قيوده وارتباطاته التاريخية وربما معاودة دراسة تاريخك فيما تعتبره أنت نجاحاً حقيقياً خارج التأثيرات التي وقعت تحتها في تاريخ حياتك بشكل أو بآخر، بحسن أو سوء نية، لكنني أود أيضاً أن أبين نقطة مهمة مرتبطة بمقولة تقول إنك إما أن تكون ناجحاً أو غير ذلك قبل ظهور النتيجة، وربما تفكر في ذلك أيضاً أن النجاح الحقيقي هو الرحلة، وليس الوصول هو كل اللحظات التي نؤمن بها بما نقوم به في اللحظة ونؤمن أن في كل خطوة نجاح وفي كل درسٍ نتعلمه نجاح .. حتى السقوط الذي يجعلنا أفضل في حياتنا يعتبر نجاحاً، وربما بعد ذلك تعتبر نفسك ناجحاً ولكن بمفهوم مختلف جداً لا يرتبط بالنتيجة كثيراً، فتكون قد قدمت ما عليك ونجحت قبل النتيجة بكثير.
t.salem@alroeya.com


القراءة بين الترف والحاجة

في 19 أكتوبر, 2013 |
في حضور ملفت نرى انتشاراً رائعاً للكتاب بين معرض ومعرض للكتاب، وبين قارئ يقتبس من كتاب لينشر أفكاره ويبدي روعته للجميع في حروف تلامس القلوب أو تحرك العقل في اتجاه ينمي الإنسان، وبين حفلات توقيع تنتشر هنا وهناك ومبادرات تصب في خدمة الهوية الثقافية ونشر العلم والأدب بشتى الأشكال المختلفة.
نرى اتجاه الكتاب إلى تجريب أشكال مختلفة من الكتابة وأعني هنا الكتاب الشباب الذين يثبتون أنفسهم يوماً وآخر من خلال الحضور في الأعمدة في الصحف والكتب التي تصدر وجميع أشكال الانتشار المتاحة، حتى إننا أصبحنا نرتقب الكاتب قبل أن يصدر كتابه باقتباساته لمقطع منه ونشره، أو إعلانه عن الانتهاء من الكتابة أو حتى الإعداد لكتاب جديد.
كل هذا وذاك يصب في القراءة التي أراها بين الترويج والترف والحاجة، فبين الحين والآخر نرى من يؤمن أننا أمة تقرأ وبين من يرى أننا لا نقرأ وأننا إذا قرأنا لا نفهم كما أشيع، لكن كل ذلك يصب في التفريق بين ترف القراءة والقراءة للموضة والتي قد تصب في نهاية الأمر إلى خلق التساؤل، وبين القراءة الحقيقية التي يهدف بها القارئ فك رموز الحياة الكبيرة وإيجاد بناء الإنسان وملامسة إنسانيته ومشاعره الحقيقية وحاجاته والتعامل مع الحياة والنظر والتأمل في مفاهيم السعادة والاتزان العاطفي الفكري.
أؤمن شخصياً أن القراءة التي تشعل في روح المرء هذه الأسئلة لا تتوقف ولا تنتهي بانتهاء موضة كتاب أو آخر وانتشار كاتب أو آخر، ووحدها توجد في القراءة الأبقى التي لا تنتهي من إجابة حتى تخلق سؤالاً آخر أكثر عمقاً يولّدُ من جديد كتاباً آخر في قائمة القراءة ولعلنا نحتاج أن نرسم لأنفسنا خارطة التعلق الحقيقي في المعرفة منذ الطفولة كما في بعض التجارب الناجحة في بعض المدارس الأجنبية، والتي تنمي حب القراءة في مراحل متقدمة من العمر للطلاب ما يمكنه من البحث والاتجاه للكتاب كلما احتاج إلى أن يوسع مداركه فتنمي في روحه الثقافة الحقيقية في التمييز بين ما يناسبه وما يناسب مجتمعه، فيصبح التأثر والتأثير على القدر الحقيقي الذي نحتاجه دوماً .. وللحديث بقية.
t.salem@alroeya.com


المحبطون في الأرض

يظن بعض المحبطين في العمل الذين يؤمنون بأن مؤسساتهم وأماكن عملهم هي سبب تعاستهم أنهم إذا غيّروا أماكن عملهم ستأتيهم الحياة من جديد وسيصبحون سعداء وسيجدون المديرين الذين يقدرون طاقاتهم الإبداعية التي لم يكن أحد في الأرض يقدرها.
يظنون أيضاً أنهم يملكون طاقات خارقة لكن بيئة العمل هي الأساس والمؤسسة والشوارع المزدحمة وكل ما حولهم السبب في كل ما يعانونه.
لا شك أن المعطيات الخارجية لها تأثير لكنني أؤمن بمقولة براين تريسي في إحدى المحاضرات:
<إذا كان لديك مشكلة في العمل فاذهب إلى أقرب مرآة وتناقش مع مسؤولك الحقيقي>. حقاً إن كل إنسان مسؤول عن نفسه في نهاية الأمر، في قراراته ورؤيته للحياة وتثقيف نفسه وأفكاره التي تؤدي في آخر المطاف إلى تلقي الحياة والعمل والمؤسسة وكل شيء بشكل أو بآخر، فهو وحده الذي يستطيع أن يرى العوائق أمامه في كل شيء، وهو وحده القادر على تغيير ما حوله بتغيير التأثر والتلقي وتغيير الأفكار المسؤولة عن المشاعر والاستجابة والإيمان الذي يسهم في أخذ القيادة الحقيقية للحياة التي تبدأ بقيادة المرء نفسه وتغيير واقعه أياً كان منصبه وعلمه والعوائق التي تحيط بهما.
ولعل وجود السلبيين في مكان ما كفيل بخلق روح سلبية في المكان، فهم يجلسون هناك يراقبون التغيير ويراقبون نجاحات الآخرين ويملكون من الأعذار ما يجعلهم يؤمنون بالصدف والواسطات وغيرها بعيداً عن التفكر في الأسباب الحقيقية وراء هذا النجاح والتي لا تكون ظاهرة لديهم لأنهم لا يرون أهميتها ويؤمنون بأنها الطريقة الخاطئة لممارسة الحياة وتحقيق النجاح، كما أنهم يملكون قدرة هائلة على المراهنة على فشل الآخرين والتسويف في أنهم على صواب وسيحدث ما يؤمنون به ولو بعد حين، فهم وحدهم على صواب والبقية إلى زوال مهما بلغوا، فهم وحدهم ضحية كل شيء.
ختاماً أتمنى أن يجد صاحبنا ما كان يحلم به من تغيير في الخارج أو أن يقع في تجربة محبطة من جديد قد تؤدي إلى زيادة وعيه وإدراكه، ما قد يسهم في سعادته وتحقيقه أهدافه وطموحاته.




الاستمرار حتى الموت

كان الممثل الأمريكي ويل سميث في أحد اللقاءات التلفزيونية يتحدث عن ثقافة النجاح، حيث إن الشخص الذي تولى نقل هذا المقطع دمج الكثير من اللقاءات للممثل النجم من مقابلات مختلفة في أزمنة مختلفة من مراحل حياة الممثل ويل سميث.
لست من متابعي الأفلام الجيدين، لكن هذا الممثل لفت انتباهي حتى من خلال كتاباته على تويتر التي كان تشير إلى أن الرجل صاحب فلسفة كبرى في النجاح، فقد كان يفسر في مختلف اللقاءات أن النجاح أقرب إلى الجنون حين يصفه الآخرون .. فهو الإبداع الذي قد يقود الآخرين إلى اتهامك بالجنون من خلال عدم تقبله، فقد كان الدخول إلى الغرفة وإضاءتها بزر واحد جنوناً قبل انتشار الكهرباء، وكان التحدث في الهاتف من أي مكان دون أسلاك جنوناً قبل انتشار الهواتف المتحركة، وكان السير في السيارة بسرعة فائقة جنوناً في فترة ما .. إذاً فالنجاح جنون مع سبق الإصرار والترصد.
وهنا نشير إلى أن المجانين أو الناجحين كانوا لا يلقون بالاً لما يقوله الآخرون لكنهم يستمرون في عملهم كل الاستمرار يوماً بعد يوم دون كلل أو ملل، وسرعان ما يعودون إلى متابعة عمل ما يحبون بعد كل سقوط بكم هائل من الدروس بروح الانطلاق من جديد، فقد قال في لقاء آخر «إنك لا تقول إنك ستبني جداراً، لكنك تقول إنك ستضع اللبنة بأفضل طريقة يمكن أن يوضع فيها حجر على الإطلاق».
هذه الفلسفة التي قادت ويل سميث للنجاح والاستمرار والإبداع عبر سنوات وسنوات من رحلته الفنية، الأمر الذي ينطبق على المجالات كافة، فالنجاح لم يخلق للمتقاعسين ولم يخلق للذين يتأثرون فينسحبون انهزاماً، وقد قال ويل سميث في الاستمرار متحدياً المذيع ومسهباً في فلسفته إنه لو دخل في تنافس على جهاز الجري مع أحدهم ليفوز من يبقى أطول مدة فسيقف أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الموت أو انهزام منافسه ونزوله من على متن الجهاز أولاً، هذه هي ثقافة الاستمرار حتى الموت التي سيتعلم منها من يتعلم وسيقبع خلف الاستهزاء من يشاء.





سترتاح بعد أن !

في بدايات حياتنا نتعلم أن نعطي زمام الأمور لمن هم أكبر منا سناً على المثل الدارج الذي يقول: «أكبر منك بيوم أفهم منك بسنة».. ولعل رسوخ فكرة هذا المثل يجعل تطبيقه أمراً تلقائياً من خلال إعطاء الصلاحية لكل من هو أكبر منا لإسداء نصيحته وكل ما علينا فعله هو التلقي والتطبيق، لأن الأمر يخرج من مسألة النصيحة إلى الفرض والواجب من حيث التطبيق حتى إن لم يكن هنالك قناعة تامة به.
ومن الأشياء التي كانت تتردد على مسامعنا ونحن نستمع إلى هذه النصيحة «سترتاح بعد أن» وهنا يمكنك أن تضيف من الكلام والنصائح ما تشاء، مثل سترتاح حين تكمل الثانوية، سترتاح حين تبدأ الجامعة، سترتاح حين تحصل على رخصة القيادة، سترتاح حين تكمل الجامعة، سترتاح حين تحصل على وظيفة .. وزد على ذلك ما تشاء من زواج ومنزل وأبناء وغيرها من متطلبات الحياة التي لا تنتهي.
وكأن الراحة أمر نطارده حتى إذا وصلت إلى سنوات لا بأس بها من العمل والكدح، تصبح العبارة سترتاح حين تتقاعد.
ولعل التعب من مطاردة الراحة أمر يجعلنا نفكر في مفهومها من جديد، فهدف مثل هذه النصائح عادة يكون الحث على الاستمرارية، لكنها في الوقت نفسه تفقد الوقت الحاضر لذته ومتعته التي لا تعوض، فيصبح ما نحظى به في المستقبل تحصيلاً حاصلاً سرعان ما نبحث بعده عن أمر آخر تكون الراحة قد انتقلت إليه كي نطاردها من جديد.
كل ما نحتاجه فعلاً هو أن نتجاوز ذلك في قلوبنا باستشعار الراحة الآن وعدم مطاردتها، لنحصل على المزيد منها فننسى عبارة سترتاح بعد أن، لنتحول إلى إدراك الراحة الآنية التي لا نملك سواها حتى إن كانت قليلة لتتشكل القناعات ويبدأ الاستمتاع الحقيقي بالرحلة. فقد أرهقنا الوصول المستحيل وأرهقنا هذا الهدف المتحرك الذي طاردناه، فأصبحت العادة تحتم علينا الانتهاء من أمر ما لنرتاح، فنجد من يطارد المنصب ومن يطارد المال ومن يطارد الشهادات ظناً منه أنه سيرتاح بعد أن..!


نحن مخترقون جداً

في بدايات انتشار الإنترنت كانت المخاوف كبيرة حول اختراق الخصوصية من خلال اختراق الحاسب الآلي، وأذكر مقولة لأحد الذين يعملون في حماية الأنظمة مفادها أن الوسيلة الوحيدة لتجنب الاختراق هي فصل جهاز الحاسوب عن الاتصال بالشبكة.
أؤمن الآن بأننا انتقلنا من عصر المعلومات إلى عصر التواصل الاجتماعي الذي أصبح فيه اختراق الخصوصية أمراً اختيارياً نحن نقوم به ونسهم في حدوثه كل لحظة من خلال الكلمات، وهو ليس فقط اختراقاً لمعلوماتنا، لكنه أصبح نشراً لها ولمشاعرنا وصورنا وعلاقاتنا وصداقاتنا على الملأ دون اكتراث لأمر الخصوصية التي حافظت عليها مجتمعاتنا كل هذه المدة.
لم أشأ أن أبين هذا الأمر بقدر إلا من باب مراقبة تصرفاتنا التي جعلتنا نضع صفحة للإجابة عن الأسئلة الخاصة والعامة، وصفحة للتفاعل وصفحة للآخرين ليقولوا رأيهم بنا ولو كان من باب الفضول أو الانتشار بشكل أو بآخر.
لا أستطيع أن أبين كل سلبيات وإيجابيات هذا الأمر في هذا المقال القصير، لكن حتى تغيير الصور على الهاتف النقال أصبح يشكل اختراقاً آخر لمشاعرنا وأحداثنا وحتى آخر مرة كنا نتواصل مع أحد من خلال هذا الهاتف.
كل هذه التصرفات تحتاج دراسات متعمقة ونظرة اجتماعية تبدأ منا، لنحاول على الأقل استيعاب ما يحدث وتأثيره على التغيرات السريعة التي تحدث في شخصياتنا ومجتمعاتنا وعاداتنا.
ومن باب الفضول مر علي مقال نقدي عن كتاب لأحد الكتّاب في تاريخ قديم، ما دفعني لأذهب إلى تغريداته على تويتر في ذلك اليوم كي ألاحظ ردة الفعل التي كانت واضحة بشكل أو بآخر، الأمر الذي يجعل حتى شخصياتنا وتفاعلنا ومشاعرنا وكل شيء واضحاً أمام الجميع، ما يمكن الآخر بقليل من الفراسة والبحث دراسة تاريخ حياتك وما تحب وأصدقاءك وأكلاتك المفضلة وأماكن وجودك .. وحتى مقهاك المفضل، والأشخاص الذين تتابعهم وترد عليهم، وكذلك كشف المهتمين بك وبما تكتب وطريقة تعاملك مع الآخرين ومع الحياة.
نحن مخترقون جداً في خصوصيتنا، هذا كل ما أردت أن أقول ولنا أن نفكر فيما أضافه لنا هذا الاختراق.

سحر الكتابة

من الكتابة ما ينساب كالسحر في أرواحنا فينعشها، ومنها ما يتسلل إلى نبضات قلوبنا بالحياة فينشر جمالها، ومنها ما يجعلنا نرى ما لا نراه ونحن في مكاننا .. من الكتابة ما يربطنا بالتاريخ وما يرسلنا إلى عوالم الأفكار وحياة الشعراء والأدباء فيسكننا بها ويسكنهم في حياتنا وينثر البهاء في كل مكان .. في هواتفنا.. في رسائلنا.. في مختلف الاتجاهات.
من الكتابة ما يبعث فينا الحياة كل يوم في الصباح والمساء لنعبّر ونعبر بآفاقنا، نتسلل إلى حياة الآخرين نشركهم معنا في كل شيء، في أحاسيسنا.. في بوحنا وتجلياتنا لنبني صورة أخرى تنتشي بها الآفاق وتتلون بها الأمنيات ويتسع بها الإدراك حيث نكون متأثرين ومؤثرين بشكل أو بآخر بحرف أو بآخر لنخلق حلماً فنرسم واقعاً يمتد لأبعد الحدود.
من الكتابة ما يعرفنا بالآخرين ويعرفهم بها، ومنها ما يشكل وجوهاً نتخيلها ونتخيل ملامحها ونحن نمضي إلى الحياة في كتاب أو مقال أو خبر، ومنها ما يبعث أسئلة لا تتلاشى فنظل في حياتنا ماضين نبحث لها عن إجابات وتجليات تليق بمقامها.
وهنا بهذه الحروف ومن هذه الحروف نؤمن أن الكتابة لم تكن للأدراج ولم تكن لتموت في كتاب لا يقرؤه أحد، فيموت في صالة مغلقة تحت ستار ادعاء النخبة .. لكنها الحياة يبثها الكاتب الصادق فتسمو وتصل إلى القلوب وتحيا في الأرواح فتجلب الابتسامة وتلون السماء خارج احتكار الأدب في جماعة ما وخارج تحزب حزب لحرف ما، لكنها الانطلاق والتحليق والتغريد والمدى والندى والزهور، هي أكبر من أن يصفها مقال أو نكتب كتاباً في حقها، وكل ما يمكننا فعله هو أن نراها ونتقبل روعتها وهي تسري بيننا بكل شيء. نورثها لأبنائنا بوحاً وتاريخاً ونرثها عن آبائنا عبقاً وتراثاً سامياً وننطلق بها إلى المستقبل مشرقاً بالعطاء والسخاء والنقاء والضياء.
هي الكتابة التي نمضي بها حيث كنا وتمضي بنا حيث كانت، فتتعهد أن تُبقي ما يستحق البقاء وأن تُفني ما يستحق الفناء، فهي المدن والبناء والأوطان والحب والمعاني .. ولا شيء أجمل منها ولا شيء يحل محلها عبر المدى.


نطاق الاتزان

 في كتاب يتحدث عن التداول في أسواق المال لمارك دوغلاس كان الكاتب يتحدث عن أن النجاح في أسواق المال يعتمد على نفسية المتداول بشكل أساسي، وعلى إدارة المخاطرة بتحديدها والالتزام الحقيقي بخطة التداول.
من هذا المدخل نستطيع أن نعمم في الحياة تداولنا مع الحياة، لأن أغلب النفسيين الذي تحدثوا عن أسواق المال تحدثوا عن أننا لا نتداول المال حقيقة، لكننا نتداول مشاعرنا باتخاذنا القرارات من خلالها، وهنا نتأمل هذه العبارة وتلك لنلاحظ أن عنوان الكتاب وهو «التداول في النطاق» يتحدث عن أمر مهم جداً في الحياة، وهو أن نبقى في نطاق نفسي واحد بين الخوف والشجاعة الزائدة، وفي هذا النطاق النفسي يكون اتخاذ القرار أنقى وأفضل، ويكون نابعاً عن قرار أقرب لأن يكون عقلانياً من القرارات التي تغلب عليها العاطفة حينما نتداول الكثير من الأمور الحياتية.
وهنا نفتح باباً مهماً في مسائل الاتزان والانطلاق في الاختيارات في الحياة والتأثيرات التي تجبرنا أحياناً على أن نتخذ قراراً أو آخر من خلال تأثر ما في المجتمع أو الأخبار أو التاريخ الحضاري في المجتمع، سواء كان ذلك في اختيار مساق دراسي أو تخصص وظيفي أو ما شابه ذلك، فالتربية تحتاج إلى توضيح هذا النطاق بشكل واضح وتأسيس الأجيال على التمييز بين التفكير بعقلانية ومنطقية وبين ما تمليه المشاعر والتأثيرات والظنون التي قد يتحدد عليها مسار حياة بأكملها لفرد سيؤسس أسرة، ويكون أو ليكون علامة فارقة في هذا المجتمع وتأسيسه ورقيّه.
إن التعامل مع الذات ومع طاقاتنا المتعددة ودوافعنا يحتاج إلى أن تكون واضحة لدينا على الأقل، ومن ذلك علينا أن نركز مسألة وجودنا في نطاق الاتزان الذي يجعلنا خارج الخوف وخارج التهور فنكون أكثر شجاعة واتزاناً وعقلانية في القرارات التي نتخذها في آرائنا ومنطلقاتنا.
يرتبط نطاق الاتزان بمسألة القيادة الحقيقية التي تنطلق من الفرد بقيادته الصحيحة والحقيقية لحياته، ولعل الدخول في نموذج قيادة تتبعه يجعلنا نتساءل عن الانطلاق الحقيقي لهذا النموذج وتفسير ما يقوم به بتجرد دون انحياز عاطفي لهذه التجربة هنا وهناك لنصل إلى الهدوء والنظرة الشاملة للحياة من خلال نطاق الاتزان.

أنا لستُ جدي

حين أتذكر البساطة التي كان يتعامل بها جدي مع الحياة أدرك أن المدخلات التي وجدت في تلك الفترة كانت بالكاد تخرج خارج نطاق المنزل والأسرة والبحر والقوت اليومي والعمل والرفقة، وعلى الرغم من الثقافة المحدودة التي كان جدي يتعامل بها مع الحياة إلا أنني أستطيع أن أراها بعينٍ ترى الحياة بهدوء أكثر، حيث إن الأخبار لم تكن تصل إليه عبر البلاكبيري والواتس أب.
لم يكن جدي يتابع الشبكات الإخبارية والشبكات المضادة لها على تويتر، ولم يكن يتتبع الأعداد الهائلة من مقاطع الفيديو التي يرسلها له صديقه المحبط من مكتبه، حتى إن جدي لم يكن يتابع الجزيرة على مدار الساعة ولم يكن يقلب القناة إلى العربية في الدعايات الإعلانية بين الانفجار والانفجار وبين القتل والإضراب والفكر والفكر المضاد الذي جعل من الحياة من القلق ما يكفي، لأن يسرق النوم ويسرق حتى الأطفال من ألعابهم لمتابعة الأخبار قبل أن يعودوا إلى الآيباد وإلى تحدياتهم التي رسختها بهم قنوات الأطفال التي لم تعد تعاملهم على أنهم أطفال.
كان جدي يجد من الحياة ما يبعث الأمل خارج الضجيج، كان يجد ما يسمح له بتلاوة كتاب الله وما يسمح له بالابتسامة وما يسمح له بتأمل البحر، أو ربما الخروج إلى الصيد بعد صلاة الفجر دون هاتف خلوي ينشد رزقه القليل الذي يؤمن بأنه ينتظره هناك، ما يجعل الحضور في الوعي خارج كل هذا التشتيت أكبر بكثير من الآن.
وكأننا نقف الآن أمام كل هذا السيل نحاول أن نستعيد أنفسنا من زحام الأخبار ومن زحام تنافس كل شيء للفت الانتباه وإثارة المشاعر بشكل أو بآخر محاولين أن نلتقط أنفاسنا من جديد وربما محاولين أن نوقف كل شيء خارجي لنعود إلى بساطتنا إلى ذواتنا إلى ابتسامتنا لنبدأ اكتشاف الحياة من جديد.
كل هذه العوامل خلقت منا بشراً نختلف جداً عن أجدادنا، فأنا لست جدي الآن وقلقي مختلفٌ جداً وأحتاج أن أعيد رسم حياتي وربما أحتاج الكثير من البعد عن وسائل الإعلام لأفكر في أولوياتي وحاجاتي البسيطة خارج كل هذه الفوضى.


المؤسسة بقيادتها

تصل بعض المؤسسات برغم عطائها وربحيتها وجودة ما تقدمه أحياناً إلى مرحلة حرجة من وقوف التطور وتضخم المناصب بكثرة المستحقات التي يتقاضاها المديرون وقلة الإنتاجية أو قلة الربحية بسبب التكاليف المترتبة على ذلك.
وهنا تلجأ بعض الشركات إلى تقليل النفقات من خلال التخلص من القوى العاملة ومحاولة شد الحزام بشكل أو بآخر، لكن ذلك في كثير من الأحيان لا يجري بما تشتهي السفن، فالعقليات التي خلقت المشكلة هي ذاتها التي تدير هذا التغيير وتحاول إصلاح ما أفسد الدهر، وهنا نرى أن الوظائف الصغرى هي التي تتأثر مما يؤثر على الإنتاجية التي ترسخت بسبب ترسخ ثقافة معينة في المؤسسة بسبب المديرين لا ترقى لمواكبة التطور بما يتناسب.
وهنا تحتاج مجالس الإدارة أحياناً إلى الشجاعة الكافية لتوظيف قائد حقيقي أو ربما خلقه من الطبقة الوسطى المحبطة بسبب روتينية العمل التي شكلتها الأفكار الإدارية العتيقة.
وهنا يأتي ذلك القائد بالفكر والشجاعة ليتغلغل ويحطم كل تلك القواعد الروتينية التي كانت تعيق العمل بسبب المصالح الشخصية التي تشكلت وكذلك العلاقات التي نشأت، ليعيد تشكيل القوى العاملة فيتعرف على العقول المنتجة أكثر من الألسنة التي تنمق الكلام بلا فعل، فيبدأ في سد الثغرات ووضع الرؤية وخلق التغيير في المؤسسة، لتزيد الإنتاجية وتتغير الروح إلى روح حقيقية في العمل ترسم درباً جديداً في التركيز على خدمة العملاء ووضع التكاليف المناسبة بعقلانية حتى وإن كانت زيادة التكلفة هي القرار الصحيح لزيادة الإنتاجية بشتى الطرق.
إن العمل بهذه الروح يحتاج إيماناً عميقاً يرسخه هذا القائد في المؤسسة بفعله ووجوده على أرض الواقع، ما يزيد من التناغم وما يجعل الشفافية تكبر في هذه المؤسسة فتعود الثقة وتعود الروح من جديد للمساهمة في العطاء.
هذا القائد وحده القادر على اجتياز من يحاول صد التغيير والجلوس في كرسي الراحة ووضع التحدي الإيجابي لإثبات الوجود أمام الموظفين بإتاحة الفرص من جديد وإيجادها ليلمع نجوم العمل ويبدأ عصر جديد من العطاء في خدمة المؤسسة التي تبدأ من الفرد وتصب في الوطن وفي الرقي بشكل عام.

حقيقة الفعالية ورضا المتعاملين

توضع الخطط في المؤسسات عادة حسب الرؤية العامة والتوجه العام للمؤسسة لخدمة العملاء أياً كان هؤلاء العملاء، وتكاثر في الآونة الأخيرة الحديث عن رضا المتعاملين على أنه المقياس الأصدق لنجاح المؤسسة من سواه. فلقد اكتشفنا عبر السنوات أن معايير الجودة التي كنا نتحدث عنها قد تضع المؤسسة في إنتاجية لا تضيف إلى رضا المتعاملين الشيء الكثير، فاعتماد هذه المعايير أحياناً على الكم والإنتاجية لا يضمن أننا ننتج أمراً حقيقياً يصب في مصلحة العميل.
ما أردت أن أذكره هنا هو في صميم عمل العديد من المؤسسات التي اعتمدت على كمية الأنشطة أو الفعاليات وتناست فاعليتها أو جدواها ومدى ملامستها للعميل الحقيقي في نهاية الأمر.
لنفرض أننا في مؤسسة ثقافية تقيم ندوات في مجال ما، فسنرى أن هذه المؤسسة تجيد إقامة النشاط والتعامل مع المحاضرين الجيدين ومع الإعلام باحترافية في التغطية وجذب الصحافيين إلى هذا النشاط الثقافي المهم بنظرها والناجح والفعال لسنوات وسنوات متراكمة، فهي تقيم ما يقارب اثنين وخمسين نشاطاً خلال السنة، لكن الحضور لا يتجاوز قلة قليلة تأتي مجاملة أحياناً فلا يصل هذا النشاط أو هذه الخدمة لفئة كبيرة من المستفيدين، وبالتالي فالمؤسسة هذه تقدم خدمة لا تصل إلى أحد وتستطيع الاستمرار بحجة أن العملاء لا يأتون ولا يقدرون ما تقدمه هذه المؤسسة.
حقيقة الأمر أن العمل لا يصل إلى المتعاملين إلا إذا بدأ حقيقياً في قلوب القائمين عليه، بدأ بهدف الفعالية الحقيقية والوصول، لا الكم ورضا المسؤولين عن هذا الكم، والتغطية الإعلامية التي لا تخرج عن نطاق الأخبار متناسية جوهر هذا العمل والنشاط وهو ترسيخ ثقافة رضا المتعاملين من كل اتجاه، تطمس وجود ثقافة متكاملة ترقى بالعمل والمؤسسة والحياة.
إن إعادة النظر في العمل المقدم للعملاء يحتاج شجاعة كبيرة لأن المسؤول يقف عند الأخطاء ويعيد النظر في الآلية ليصل إلى ما يصب في تقدم هذه المؤسسة وانطلاق الفائدة في كل الاتجاهات الداخلية والخارجية أبعد من نطاق التطبيل والإعلان غير المنتج.



هم يكبرون أسرع مما نتخيل

نأتي إلى المنزل فنبحث عنهم .. نبحث عن ألعابهم، نأتي فنسأل عنهم بكل ما نملك من لهفة وشوق لأحضانهم، فصدورنا المنهكة لا تعرف ما يبردها سواهم، هم كل شيء بل هم أكثر الكثير.
أبناؤنا وأذكر أنه في بداية حياتي الزوجية قال لي صديق يكبرني: «استمتع بأبنائك بكل ما أوتيت، استمتع بكل لحظة معهم فهم يكبرون سريعاً، يكبرون أسرع مما نتخيل». تلك العبارة التي آمنت بها وأتذكرها دائماً كلما وقف أحد أبنائي بجانبي .. كلما انحنيت لأقبل أحدهم فأراه يتعلق برقبتي لأخرج من ذلك بإصابة في ظهري لأنني لم أتوقع أنه كبر وزاد طوله ووزنه دون أن أشعر بذلك في زحمة الحياة، ليبتسم أمامي خجلاً فيزيد في عناقي وقد قربني من الأرض.
كلما احتجت إلى أحضانهم تذكرت أبي .. تذكرت أمي، حقاً أننا كبرنا سريعاً ونراهم يكبرون سريعاً أمام أعيننا وكأننا في غفلة نجري خلف الحياة، خلف العمل وخلف ما يسرق منا عمرنا في طموح يرسم المستقبل وينسى الحاضر الأغلى.
أبناؤنا الحاضرون الغائبون اليوم في ألعابهم في عوالمهم الافتراضية في الألواح الرقمية التي سرقتهم منا وسرقتنا منهم .. وكلما بحثنا عنهم لا نجدهم فندرك أنهم كبروا سريعاً وهم يشكلون رغباتهم وأفكارهم وأصدقاءهم وألعابهم .. هربوا بها حتى نكاد نمنعهم منها، فنعيدها إليهم وكأننا نعيدهم إلى الهروب منا من جديد .. ما أجمل الحياة بهم وما أجمل أن نراهم بيننا ونتمنى أن تتوقف كل الأشياء التي تأخذهم منا أو تأخذنا منهم، لكنها لو توقفت لتمنينا أن تعود لنرسم الابتسامة على وجوههم المستنيرة التي تتبعنا حيثما كنا وحيث نرحل إلى العمل .. نحملهم معنا ليحتدم الشوق، فننتظر اللقاء من جديد.
ما أصعب أن نرى غيابهم وما أجمل أن نرى اللقاء السريع الذي يملأ علينا الأنحاء لنحاول أن نواكب سرعته في كل شيء .. فنحاول أن نقلل فجوة الزمن بيننا، ووحدهم القادرون على إعادة طفولتنا حين نلعب معهم فنراهم يكبرون بين أيدينا في هذه اللحظة، ونراهم يعيدون إلينا الحياة وهم يكبرون أسرع بكثير مما نتخيل رغم كل شيء.


هناك فرصة تنتظرك

تعلمنا أن نرى الحياة من جانب دون آخر، تعلمنا أن نرسم الحياة فقط دون محاولة الخروج من تفسيراتنا التي تحدنا كثيراً حين نفكر من نطاق واحد ولا نرى سواه، ندرك بالتجارب أن الحياة أرحب بكثير من أن تكون في جانب واحد فهي الانطلاق والانعتاق إلى الآفاق، وهي الاختيارات التي تفتح أمامنا أبواب كل شيء جميل يرسم المعنى بشكل أو بآخر في حياتنا.
في كل مشكلة نراها تختبئ فرصة رائعة تنتظر منا أن نزيح عنها بعض الغبار فنرويها وتتفتح وردة في حياتنا، لكن التعود على النظر من زاوية واحدة يجعلنا نغفل الكثير من الفرص التي تمر أمامنا مرور الكرام دون أن ننتبه لها ودون أن تحرك فينا ساكناً.
كل ما في الحياة يتنفس في فرصة جديدة للعطاء وكل ما في الحياة يرسم لنا طريقاً جديداً، نحتاج أن نركز على بعض أهدافنا طويلة المدى فنغتنم الفرص التي لا ندرك جدواها أحياناً، لكننا في الوقت نفسه لا نستطيع أن نغض الطرف عنها فتمضي دون أن نمتطي موجتها التي كانت ستوصلنا إلى أحلامنا التي ننشدها.
إن بعض الفرص لا يؤدي إلى نهاية الطريق أي الهدف مباشرة، وإنما إلى طريق آخر في سلسلة من الطرق التي تصل بنا إلى ما نريد. فالحكمة في السعي لاقتناص هذه الفرص الرائعة وتغيير طريقة النظر إليها والتوافق معها والتعايش مع ما لا يجدي منها تجعلنا أقدر في المدى البعيد على اقتناص الفرص المناسبة في الوقت المناسب تماماً، فتبدأ مرحلة الاستمتاع بالرحلة التي تجعل الوصول أمراً يسيراً وليس حاجة ملحة نطلبها في استعجال، لأن المتعة الحقيقية بدأت من خلال البحث عن الفرص والاستمتاع بتحليل تشكيلها وكيف أنها تغلف نفسها بشكل أو بآخر لتتغير نظرتنا في الحياة إلى إيجابية صرفة ترى الضوء في نهاية النفق منذ البداية وترى الأمل الأجمل في كل شيء يشعرنا بالحياة، ويشعرنا أن اللحظة غالية جداً فهي التي شكلت الماضي وهي التي ستشكل الحاضر في فرصة قريبة.


زايد .. رمز يلون كل شيء

لا نعلم كيف نكتب حين نكتب عن زايد، لأننا كلما كتبنا نكتب عن زايد ذلك الذي تغلغل في أحشاء أحرفنا رسم على الأرض صورة العطاء ووجه السخاء وحضن الأمنيات، زايد الذي لم نفقده لحظةً في أرواحنا فكل ما حولنا يرسم صورة زايد في الفخر في الرؤية في القيادة في الإخاء، ذلك أنه كلما تجلى في الحرف كان لنا، وكلما تجلى بالصدق كان لنا، فكل ما قال زايد مازال يهتز بوتر الوفاء في قلوبنا، مازال ينبض في طفولتنا في شبابنا في وطننا رمزاً يلون كل شيء.
مذ كانت هذه الصحراء والصور تتلاحق في أذهاننا بتلك اليد التي ترحب بالحياة وتلوح لها فترسم طريقاً جديداً، مذ كانت الأمنيات أكبر من حرارة الشمس والخيم وقلة كل شيء وزايد كان يحلم بطريق أخضر يضعنا عليه جيلاً بعد جيل، ذلك أن الصدق وحده رسم الإخاء والتلاحم في أرض الإمارات التي تآخت قيادة وأسست فكراً حقيقياً برقي الإنسان على وطنٍ صغير بأحلامٍ تعانق السماء، كل ما نحاول كتابته هنا واقعٌ نحياه وحلمٌ نعيشه الآن بالأمن والسلام الذي لم يكن لولا أن زايد استشعره في قلبه فانطلق إلى العالم لينتشر بكل شيء كل ما في هذا الإنسان الحقيقي الذي رسخ وطبق كل مبدأ تحتار في تطبيقه نظم القيادة التي احتار بها المحللون، ذلك أن الإيمان الحقيقي والعمل الحقيقي وحده المتمثل في زايد كان القادر على صنع المعجزات.
كل تلك الصقور التي توالت على كف زايد علمتنا أن الأصالة لا تتعارض مع الحضارة لكنها ترسخها بثباتٍ لتنطلق إلى الأمام بخطىً ثابتة، وتلك المهرة البيضاء التي امتطاها زايد كانت ترى النخيل الذي آمن به زايد فأثمر في الصحراء حين قال الخبراء إنه لا ماء هنا، وتدفق الماء في الآبار التي ضرب زايد بعصاه على رمالها لتحفر بالإيمان فيثمر العطاء.
ماذا نكتب لزايد ونحن رجاله الذين آمنا بأننا وحدنا من وضع بنا بذرة الثقة وأننا من يبني المصانع ويعمر الأرض بالعلم والطموح والنقاء، كل هذا وذاك مازال واقعاً نحياه في كل شيء ترسخ في روح زايد وآمن به قادتنا الذين يتبعون خطى الانطلاق برحابة لنكمل المسير ونسمو بالأمنيات.
ومن هذا الذي لا يحب زايد، ومن هذا الذي لا يذكر زايد من قريب وبعيد ويؤمن أن الوفاء لزايد هو عدم غياب زايد لأنه بيننا في كل شيء، وهو أمامنا في كل عطاء، وهو رؤيتنا التي تثبت أقدامنا بحكمته التي اجتازت كل العبقرية بالصدق والعمل لأبعاد الخيال.
حين نكتب عن زايد تهرب حروفنا خجلاً فنحن لا نحتاج أن نتذكر من هو في حياتنا كل يوم في كل الخير الذي ننعم به وفي كل الكلمات التي تحيا في ذاكرتنا وتلك اليد المبسوطة في كل التفاصيل والتي أورثنا إياها لنمتد للعالم فتبسط الحياة مهما اشتد كل شيء ومهما ابتعدنا لأننا نؤمن بوحدتنا ونؤمن أن لدينا من الدروس والحكم ما يكفي لنمضي في التقدم من جذور الأصالة بكل ما حملت الحضارة من نعمٍ تحتم علينا أن نمضي بمنهج زايد، فنعلمه أبناءنا فهو في قلوبنا يحيا وفي دعائنا يحيا ما حيينا وما حيينا نرسخ في أبنائنا ما قال زايد وما أراد لنا زايد بحكمة زايد وبرؤية زايد إلى طريق المستقبل، فالعظماء لا يرحلون من أرواحنا لكنهم باقون ما بقيت الأرض بأعمالهم بصدقهم بكل شيء


الأفكار وسيطرتها على حياتنا

لا ندرك مدى سيطرة الأفكار على حياتنا ومدى تغلغلها في عقلنا الباطن، فالكثير من الأمور الحياتية التي تمر بنا تتشابه في معطياتها لأننا ننظر إليها بالعقلية نفسها وطريقة الاستقبال نفسها والتحليل ذاته.
إن تفسير الأشياء في الحياة والتعامل معها يكون على أساس التأثر الداخلي بما يحيط وهو نتاج الأفكار التي ترسخت في أذهاننا، سواء أكان ذلك تأثير الأسرة أو الأصحاب أو معلم الفصل أو دكتور الجامعة أو كان تأثيراً تاريخياً ممتداً لا نعلم من أين أتى. وهنا أذكر أن عملية بناء عادات التفكير والاستجابة من جديد تحتاج وقتاً وجهداً، وتتطلب عملية مراقبة آنية لكل التصرفات والأقوال التي يقوم بها المرء وهذه العملية الآنية تحتاج صفاء ذهنياً كبيراً وتجرداً يجعلنا نرى الأشياء دون أن نربط عواطفنا بها، وفي هذه الحالة فقط يمكننا أن نزرع بذرة التغيير في الفكرة والتي تحتاج عملاً مستمراً وإصراراً يجعلنا نقف أمام كل العوائق والإحباطات التي قد تعترض تغيير هذه الأفكار إلى أفكار إيجابية تعيننا على الحياة فتعين كل من هو حولنا.

كثيرٌ من المحاضرين الذين تحدثوا في هذا الجـانب استخـــدموا عملية الحماس في التحفيز من خلال رؤية جانب واحد في العملية الإيجابية والتركيز عليها، وقد لا ينفع هذا الأمر مع الجميع لأن التركيز على الإيجابية بإفراط قد يخلق الحماس المقرون بالتوقع السريع للنتائج، الأمر الذي يغفل أن الكثير من النجاح كان نتيجة التمكن الحقيقي من التعامل مع الإحباط والفشل وتقبله. فالحياة لم تكن نجاحاً مستمراً فحسب ولكنها خليط من نجاح وفشل وإحباط واستمرار وإيجابية وسلبية تجعل نكهة العيش أجمل وأشهى.
إن الوصول إلى الإدراك بتوازن الحياة من خلال كل هذا التناقض يجعلنا ندرك عدم وجود تناقض حقيقي، لكنها كلها جوانب مختلفة ننظر إليها من خلال رؤيتنا ومن خلال استيعابنا الذي يصعب علينا أحياناً حتى شرحه للآخرين، لذلك فإن كثيراً من الإدراك يجعلنا في تيقن أننا لا نعلم الكثير وأن عدم المعرفة هو الحافز الأجمل للبحث في النفس البشرية والعقل والمشاعر واستيعاب الحياة، ما يساهم في الرقي الإنساني بشكل أو بآخر.


الكلمة

للكلمة سحرٌ عجيبٌ يتدفق كلما تدفقت الأحاسيس بها، فهي المكون بعد الحرف للخطاب وهي التي ترسل التواصل للقلوب بشكل أو بآخر، هي التي ترسل الأمان والطمأنينة وهي التي تنشر الخوف وهي التي تسيل الدموع وتهيج الذاكرة، الكلمة هي التي ترسخ الإيمان وتبني الارتباط بالمكان وبالزمان، الكلمة هي الأمانة التي تنشر الخير وتنشر كل شيء.
في زمن أصبحت فيه الكلمة سهلة الوصول ألا نراقب هذه الكلمات ونستشعر وقعها ومكانها فهي التي تهيّج البشر وآراءهم وأفكارهم، فهي في الأخبار وفي المنابر الثقافية ووسائل الإعلام وهي التي تترسخ في مشاعرنا فتشكلها من جديد، فكلنا يملك اليوم منبراً بشكل أو بآخر ويملك قاعدة تستمع لهذا المنبر وتستشف الفكر والابتسامة والقصيدة، وكلنا يعي أهمية التأثير والتأثر وسرعته في الحياة وكلنا يعي الكم الهائل من الكلمات والأفكار التي تمر علينا يومياً.
ولعله كما سمعت من أحد المحاضرين مرة أننا اليوم في ساعة نتلقى خلال الكلمات من المعلومات أكثر مما مر على عقل جدي في حياته كاملة، وهنا تتجلى حاجتنا الحقيقية في إعادة تفسير بعض الكلمات، فالكلمة تعني لي خلاف ما تعني لك وتؤثر بي خلاف ما تؤثر بك لأنها تنبع من تاريخ الثقافة والحضارة والأسرة، وكل ما يحيط بي وبك من معطيات ومن موارد ثقافية شكلت هذه الكلمة بشكل أو بآخر في أذهاننا.
إن من سحر الكلمة وفعاليتها أن تكون بسيطة في اللفظ قريبة للقلب فعّالة إيجابية تستشعر الحياة، وأكثر ما علينا مراقبته فعلاً هي الكلمات الداخلية فرب كلمة رفعت صاحبها بقوتها وأحاسيسها المصاحبة لأنها ترسخت في العقل الباطن إيماناً وربَّ كلمة كانت هي العائق أمام خير كثيرٍ يعيق التفكير ويتلف التلقي بشكلٍ أو بآخر.
من العبارات التي أثرت في حياته عبارة تقول «إذا أردت أن تغير حياتك فغيّر مفرداتك» ووحدها المفردات التي تجعل للحياة وجهة أخرى من خلال فهمها والتعامل معها وترسيخها وتوظيفها وتوجيهها لحياةٍ أفضل لنا وللآخرين بتبني الإيجابية وترسيخ فكرها الحقيقي والابتعاد عن الكلمات السلبية من الداخل والخارج على حد سواء للرقي بالفكر والحس والإنسان.


رابطة عشاق الصباح

للصباح نكهة البدايات دائماً وروح الانطلاق، معه تأتي العصافير وتولد الأمنيات ونستلهم كل شيء، في الصباح عبقٌ مختلفٌ يولد مع الورد يتنفس الحياة وينطلق إلى الآفاق بروح رحبة، في الصباح تبدأ في الكائنات حكاية السعي والأمل بأن يكون اليوم مثمراً يضيف إلينا الكثير ونضيف إليه بالعطاء الكثير، فالانطلاق يجمعنا جميعاً لنحقق أحلامنا وطموحاتنا ونبني مستقبلنا ومستقبل من نحب، ونكون في كامل إنسانيتنا نؤثر ونتأثر ونزرع الابتسامة في الدنيا.
لم تتغير الدنيا كثيراً في الصباح لكننا هذه الأيام نحيا صباحاتٍ مختلفةٍ مع أناس يربطنا بهم الحرف والكلمة والرؤى، نلتقي بقلوبهم حين نصافحها عبر الكلمات في وسائل الاتصال المختلفة على هواتفنا فنرى أثر الصباح بخضرته يرسم تشكل الحروف ويبني بالسعادة درباً نتطلع إليه جميعاً.
قيل إن هنالك من البشر من هو ليليٌ يحب الليل أكثر ومنهم من هو صباحيٌ لا يملك من السهر شيئاً لأنه لا يملك إلا أن يستقبل ضوء الشمس ويحيا الحياة بتفاصيلها الصباحية، بأغنياتها بغض النظر عن التزامه في العمل أو في المشاغل فهو ينظر للتفاؤل أنه يولد صباحاً .. يحيا تفاصيل البساطة يرى ابتسامة عامل النظافة وبائع الشاي، يسلم على شرطي المرور ويقدر عمله ويرى الطلاب على الأرصفة في انتظار الحافلة في طلب العلم، فيتأمل تفاصيل حقائبهم ويتخيل أحلام آبائهم.
في الصباح في هذه الأيام لفت انتباهي أنني كلما كتبت عن الصباح وجدت من يحياه معي بشكلٍ أو بآخر، من يرسمه في كلماته ومن وضع رابطاً في تويتر لرابطة تسمى رابطة عشاق الصباح التي لا تحتاج لها مقراً ولا تحتاج عضويةً، وكل ما تحتاجه فقط هو أن تملك روح الصباح وقلباً يعشق الصباح وأن تكون هناك في الصباح حاضراً بكل ما تملك من أمنيات للجميع دون تفرقة، تحيا كل ما يمكن أن تحياه من الهدوء والروعة والطمأنينة التي تأتي بالسلام للجميع، وتنشر الألق عبر كلماتٍ ليست كالكلمات تلون الدروب وترسل الأحاسيس التي لا تتلاشى ولا يعكر صفوها أمرٌ ما لأن عشاق الصباح يكونون هناك بأرواحهم يعطرون الحياة بالجمال إلى أن يأتي الصباح غداً.


التغيير بين الفكرة والواقع

كثيراً ما نحضر أحاديث التغيير التي يسوّق لها المحاضرون في كل المجالات، كثيراً ما نسمع العبارات التي تؤمن بالتغيير وتروج له على أنه فرصة التقدم وأنه تجديد للدماء في الحياة والعمل والأسرة، لكن أغلب من يروج للتغيير يتناسى أو لا يذكر ما يترتب عليه التغيير من اختلافات داخلية وخارجية قد لا تجد فرصتها الحقيقية إلى الترسخ في النفوس ليكون هذا التغيير مستمراً طويل المدى وفعّالاً كل الفعالية.
إن الإيمان بالتغيير أحياناً أهم من التغيير، فإذا آمن الإنسان به يكون مستمراً مدى الحياة حتى إن الفرد الذي يؤمن به يكون أساساً فاعلاً فيه وفي تشكله ورؤيته.
دائماً ما تحتاج القيادة الحقيقية إلى التغيير أن تؤمن به أولاً، لا أن يفرض عليها فرضاً، فلا يمكن أن يقود تغييراً حقيقياً من تقع في قلبه ذرة شك من جدوى هذا التغيير الذي يبدأ بإيمان الأفراد وفريق العمل، كما أن أهمية إيمان القائد هي الأساس.
إن أهمية قيادة التغيير حتى على المستوى الفردي باحتراف تؤدي إلى أن تكون الرؤية الحقيقية بعيدة المدى، فتكون هذه الرؤية بمثابة رؤية الضوء في نهاية النفق، الأمر الذي يجعلنا نجتاز العقبات البسيطة والشك من جدوى التغيير لنصل إلى أن يصبح هذا التغيير أياً كان جزءاً من حياتنا اليومية بالإصرار الحقيقي والتناغم.
لكل فكرة في عقل الإنسان جذور تؤسس إيمانه به وليس التغيير إلا زرع جذور لهذه الأفكار وريها بالعواطف والصدق لتصبح إيماناً حقيقياً يصدقه العمل والتوجه إلى ما هو جديد في الإبداع والتطوير، وكل ذلك يتركز على شجاعة إدارة التغيير في وضوح الرؤية التي قد يخالفها الكثير من المحبطين والكسالى الذين سيقاومون التغيير بكل الطرق المتاحة وغير المتاحة مرة بالاستهزاء ومرة بالتقليل من شأن التغيير ومرة أخرى بالتذكير بفشل تغيير سابق، ولا ننسى أن أديسون توعد كل الذي ضحكوا عليه أن يقفوا طابوراً لدفع فواتير الكهرباء حين آمن بأنه سيتمكن من تغيير حياتهم وحياتنا بالمصباح، ومضى في الطريق، وفعل بكل إصرار وحكمة وانطلاق وعمل.



الحياة ليست وردية

كثيراً ما يرسم لنا من يحاول أن يعلمنا أمراً ما حياتنا على أنها وردية، لا شوائب بها ولا منغصات، حياة سلسة سهلة في الوصول وكأنه يملك الكرة السحرية للتنبؤ بالمستقبل.
في حوار مع صديق يحدثني عن عودته للدراسة بعد رحلة عمل تزيد على العشرين عاماً، قال لي إن المحاضر في الجامعة يتحدث عن مثاليات، عن الإدارة المؤسسية والانتماء وتحقيق التناغم في فرق العمل، وكأنه يتحدث من كوكب آخر.
كل ما في الأمر أن هذا الدكتور أو المحاضر يتحدث من نظريات لا يطبقها هو نفسه، ولكنه يراها من منطلق فكري بحت سهلة التطبيق والمنال، وأن تطبيقها على الواقع لا يتطلب الكثير من الذكاء والجهد.
كل هذا وذاك يصطدم بالواقع الذي ينسى هذا المحاضر أنه ترسيخ لثقافة مؤسسية متراكمة عبر السنوات تشكل رؤية المؤسسة لنفسها وللموظف وللعميل أياً كانت هذه المؤسسة، والواضح من الأمر أن مترتبات رسم هذه الحياة الوردية للطلاب الجدد يجعل تقبل الحياة الحقيقية أمراً صعباً جداً.
فالطالب في هذه المرحلة يؤمن بأن المؤسسة ستقوم بتطــــــويـره وتـأهـيلـه وترقيته وأنها ستقدر كل ما يمتلك من قدرات ومواهب، دون أن يعلم أن ذلك قد لا يقع في اهتمامات المؤسسة أو المسؤول المباشر، وأن عليه وضع خطة شخصية داخلية ليتمكن من تطوير نفسه، وكذلك فإنه يتعلم كيفية مواجهة الصعوبات والتعامل مع أشخاص قد لا يتعاونون معه للوصول إلى أهدافه .. بل إن عليه أن يأخذ الكتاب بقوة متحملاً مسؤولية مستقبله وحده لأنه في نهاية المطاف وحده الذي يدفع ثمن إهماله ذلك دون أن يدري.
كل من هو في سوق العمل يدرك وجود الفجوة الكبيرة بين الخريجين وسوق العمل الحقيقي وأن أساس اختيار الموظف يعتمد الآن حسب النظريات على الشخصية والقدرة على التعامل مع الأمور الحياتية والذكاء العاطفي بنسبة كبير والقدرة على التطور والرؤية، وكل تلك الأمور ليست في الحياة الوردية في المحاضرات التي لا تتجاوز مستوى الفكرة لتصل إلى الإيمان والتطبيق الحقيقي الذي يقود المؤسسة والعمل إلى ما نطمح إليه.


وهكذا أصبحت نباتياً

 في إحدى حلقات الرسوم المتحركة يظهر حوار بين ذئب يأكل جرزة وأرنب يستعجب ويستنكر على الذئب أكل الجزر، فيبدأ الذئب بسرد قصصه ومغامراته في محاولة اصطياد الأرنب الذكي الذي يوقعه كل مرة في شراكه وفي مقالبه، ليخرج الذئب خاسراً كل مرة من هذه المنازلة.
تلك الحكاية التي طبعتها الابتسامة على شفاه طفولتنا بين مقلب ومطاردة وسقوط مضحك لهذا الذئب الذي لم يكن إلا في محاولة اصطياد حلمه في إشباع غريزة الطعام، ولعلنا نشابه هذا الذئب حين نطلب أحلاماً في حياتنا نجري خلفها فيستنكر علينا من يستنكر ويوافقنا ويشجعنا من يشجعنا، لكننا في أغلب هذه المطاردات في حياتنا لا نرى أنفسنا بنظرة منصفة، وغالباً ما ننساق خلف ما يقولون أو ما يفرضون، فنتخلى عن الكثير لتأتي الأسئلة بشكل أو بآخر عن الأحلام التي كانت في أرواحنا، وكنا نتابعها ونجد أنفسنا فيها لنجدها تلاشت وغرقنا في معمعة الحياة، نواجه الواقع وأحياناً نصارعه بالقيام بأمورٍ لا نحبها، وكأننا مجبرون فننسى أننا كنا سبباً في اختيارها ونشعر أن لا درب للخلاص أو لا درب لمعاودة المسير والسعي خلف أحلامنا من جديد.
وحدنا نستسلم لليأس بإرادتنا أحياناً، ونسمح له بأن يصرفنا عن أهدافنا الحقيقية في الحياة، أو لعل الجلوس في ظل الشجرة ومحاولة إقناع الذات بما في أيدينا طريقة أخرى للهروب من مواجهة السعي والجد والتغيير الداخلي الصعب أحياناً والذي ينتج عنه تغير تلقينا للحياة، وتغيير الكثير من المشاعر المصاحبة لرحلة التغيير التي قد تجعلنا نقع في شك أكبر بأننا لن نكون نحن حين نتغير، فيسكننا الخوف من التغيير بشكل أو بآخر.
تعيد صورة الذئب الجالس تحت شجرته الماثل بجزرته في الرسوم المتحركة صورة كل من يقوم بعمل فيشعر أنه مجبر عليه، وأن لا سبيل للتغيير، لكنك تجد تلك البذرة التي سقاها الحلم يوماً فكانت سعياً يحتاج الكثير من الرعاية والالتزام والصبر والثبات، كانت تلك البذرة التي نتجت عنها القصص تحتاج عودة كل منا إلى طبيعته، فلا يقول كما قال الذئب في حالة يأسه في آخر الحلقة «وهكذا أصبحت نباتياً».

التمرد الإيجابي

للعمر حكمته التي لا تتوقف في تتابع الزمن في حياة الإنسان، تلك الحكمة التي تبدأ بنا في مختلف تطورنا العمري منذ نعومة أظافرنا حتى نصل إلى سن الرشد في اتخاذ قراراتنا المختلفة في الحياة التي نتحمل مسؤوليتها كاملة بمفردنا.
لكننا نرى أن السائد في مجتمعاتنا هو أن الأسرة تأخذ على عاتقها كل شيء في التربية، حتى إنها تكون أحرص ما تكون على أن تتخذ القرارات التي تظنها مناسبة عن أبنائها والتي يؤمن بها كل من الأبوين بأنها القرارات السليمة الوحيدة في الحياة، كاختيار التخصص والهوايات وحتى اختيار التجارب التي يتعرض لها الأبناء في حياتهم.
أغرب ما في هذا الأمر أنك ترى من وصل إلى عمر متقدم يدرك أن العمر مضى ولم يكن لديه من التحكم والاختيار ما يكفي ليقود حياته أو على الأقل يتعرض إلى تجارب إنسانية كافية تصله أو تعرفه بنفسه أكثر ليدرك تواصله مع ذاته ومع ما يحب.
تلك الوصاية التي يفرضها المجتمع على الأسرة فتفرضها على الأبناء تنشئ جيلاً لا يستطيع اتخاذ قراراته بمفرده ليتحمل مسؤوليته، حتى إنه يستفيق بعد فوات الكثير من الأوان ليرى أن العمر مضى وأنه لو بدأ في التحكم في حياته منذ البداية باجتياز التجارب المحظورة ليشكل بها تجربته الخاصة لكان خيراً، ولكان وصل إلى قناعته بمفرده حتى إن كانت هذه القناعة شبيهة بالقناعة التي يرسخها المجتمع.
الغريب في الأمر أن ترى الكل يروج للإبداع الذي اتضح عبر الدراسات أنه الخروج عن المألوف ومواجهة كل ما يقال في التمرد الإيجابي على الأعراف والتمازج مع ما يحب المبدع وذاته ليصل إلى مرحلة الإبداع التي تضيء الحياة وتنير الكثير من الدروب المعتمة، لكن ترى التصرفات المختلفة تخالف تشجيع الإبداع وتنميته في المراحل الأولى، حتى إذا وصل هذا المبدع المتمرد الإيجابي إلى نجاح مبهر تجد كثُراً من الذين وقفوا ضده يصفونه ويذكرون كيف أنهم كانوا معه وشجعوه على ذلك، حتى إنك لا تستغرب وجود من يقول إن الفضل يعود له في ذلك الإبداع الذي تحقق.


المايكروفون

هذا الجهاز العجيب الذي يأتي بالخوف من كل مكان مهما كانت حكمتك في التعامل معه ومهما كانت ثقتك في الوقوف أمامه لتواجه نفسك، هو منبع الحكمة والجهل منبع الإبهار والانكسار، يقف أمامه من يقف ويحاول أن يغطي ما بداخله لكنه فضح الكثير من السرائر.
وحده هذا الجهاز العجيب الذي يبقى في يدنا منذ أول أيامِ تعامُلنا معه في الإذاعة المدرسية ونحن نحاول أن نعبر عما في داخلنا حيناً وعما يراد منا أن نقول حيناً آخر، يمنحنا الثقة أحياناً ويسلبها منا أحياناً، هو كالمرآة الداخلية لمشاعرنا حيناً، وحيناً مرآة تعكس دواخل من يقف أمامنا خلفه.
أصعب ما تراه خلف هذا الجهاز السحري أحياناً أن من يعشقه عشقاً قد يودي بتاريخه، فيظهر هذا العشق على صورة بشاعة ثقيلة جداً على الجمهور فيها من التكلف ما يكفي لأن يسبب اضطراب الحاضرين، كما أن هذا العشق السيئ قد يجعل صاحبه في وهم العظمة حيناً ووهم الادعاء أحياناً أخرى، فيخرج بنا إلى الخطب العصماء التي لا يؤمن بها سواه والقضايا التي لا حل لها سوى الحل السلبي الذي يؤمن به هذا العاشق وحده لأنه وضع من الحواجز في نفسه ما لا يمكنه من قراءة وجوه الحاضرين بشكل دقيق يلح عليه بالتوقف مع انتشار الملل والتأفف.
المايكروفون يكره الصراخ ويكره الأنا المتعالية، يحب البساطة والخفة التي تجعل الحضور في عطش بديع لما سيقال فقد تعب هذا الجهاز من الكلمات المكررة والكذب والادعاء، وآن له أن يتكلم فيشرح ما في خاطره من أحاسيس تكسر الأقنعة التي يضعها الحاضرون في المجاملات، فيصبح الكل ناقداً يريد أن تلمس يده هذا الجهاز ليثبت للآخرين أنه يعلم الكثير وأنه مميز مختلف يستحق أن يتكلم من دون أن يدرك خطورة هذا الجهاز السحري الذي قد يُكبرك وقد يكسرك.
المايكروفون أكبر من أداة اتصال بل هو أداة تواصل قد تصل القلب بالقلوب إذا ما أحسن من يقف خلفه احترام الحاضرين وعقولهم ومستواهم المعرفي والتاريخي ليبعد عن التكرار والتكلف والكذب لتكون الرحلة من خلاله خفيفة كل الخفة على القلوب.



بذرة أمل

الأمل لا يختبئ في الحياة .. هو موجود بيننا، يتجول في حياتنا يضيء دروبنا يلوّن أرواحنا، الأمل هو ذلك السحر الذي ينعشنا ويجعلنا نستقبل كل ما يأتي بصدر رحب فنرى ما نرى بنظرة أخرى فنتنفس الحياة، ووحدنا نغرق في لحظاتنا التي نختارها، ووحدنا نستشف مشاعرنا ونرسلها بالأمنيات لكل ما يحيط بنا ولكل من يحيط بنا.
نحن ننسى أحياناً أن كثيراً من الأمل ليس إلا فكرة تتعلق بالإيمان بأن القادم سيحمل لنا الكثير من الجمال بروح التفاؤل، وننسى أحياناً أن كثيراً من الأمل هو أن نتقبل اللحظة بكل ما تحمل من قيم ومن معان متعلقة بفكرتنا عن الأشياء وعن الحياة، هذه الفكرة التي تتعمق في مشاعرنا فتترسخ في عقلنا الباطن وتتحول إلى أفعال تجعل الأمل واقعاً يمشي على الأرض.
الأمل هو أن نكتب عن الأمل برغم كل الألم في الحياة وبرغم كل ما يدور حولنا من مآسٍ تفطر القلوب وتكاد توقفنا عن العطاء في شللنا الفكري الذي يسببه الانجراف في العاطفة، لولا الأمل الذي يأتي كشعاع الشمس في الصباح كلما نحتاجه يأتي كالفرح في نهايات الحزن حين نشتاق إليه. هو الأمل الذي يبث فينا التجدد، وكأننا نولد من جديد وكأننا نرسم للحياة خطاً جديداً وقصيدة جديدة حقيقية الملامح نعيشها في كل شيء عذب جميل يحيا بالأمل ويحيا على الأمل، فينشر الصدق في الأرواح لتبدأ هي ببث الأمل من جديد في أرواح أخرى عبر الكلمة والفعل والعطاء.
الأمل هو أن نقف مجدداً على الأرض حين نستفيق كل صباح ونشعر أن الأرض بخير وأننا هنا لنجعلها أجمل وأبهى وأرقى برقينا وفكرنا وإنسانيتنا التي نعود إليها كلما عدنا إلى الحب الذي يمنحنا فرصة تلو الفرصة لنستكشف سر رحابة الحياة وتنوعها وترابط كل شيء بكل شيء، لأن كل خطوة تقود للأخرى وكل هبوط عاطفي يؤدي بنا إلى ما هو جديد ويجعلنا نفكر في أن نعود أقوى مستفيدين من تجاربنا وتجارب الآخرين بابتسامة أخرى تبذر الروعة وكأن هذه البذرة تسقط من شجرة يابسة، لتزرع نفسها في الأرض، فتولد نبتة أخرى تتابع بها الحياة من أمل إلى أمل، وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.



أن تكون أباً

أن تكون أباً يعني أن ترى الحياة بطريقة مختلفة لأبنائك فترى فيهم ما لا يراه الآخرون، ترى فيهم طموحاتك وتلعب معهم ألعابك التي تحبها تبث فيهم ثقةً أكبر من تلك التي تجدها في نفسك، تحلم بهم وتزرع فيهم الأمنيات وتجيب على الأسئلة التي لا يجدون إجابةً لها.
أن تكون أباً يعني أن تلوّن أمام أبناءك دروباً لم تكن ملونةً أمامك، فتذرف الدموع حين تتذكر طفولتك وحين تتذكر تعب أبيك لأنه وحده الذي شعر بما شعرتَ به على الرغم من أنك تحاول أن تكون أفضل حين تعامل أبناءك، لكنك رغم كل شيء تجد نفسك تقع في نفس دائرة التربية والثقافة على الرغم من التباين الكبير بينك وبين أبيك في الثقافة والعلم والمستوى الدراسي.
أن تكون أباً يعني أن تتحمل مسؤولية كل شيء، وأعني كل شيء متوقع وغير متوقع في توفير الحياة الكريمة للأسرة والتي تصل إلى حد التدليل أحياناً على حساب ما تريد وما تحتاج، لتشعر أن التضحيات هي روحك التي لا تنضب حين يبتسم هؤلاء الأبناء، وأن تتقمص الصبر برغم كل شيء، وأن لا تبوح بكل ما تشعر به لصعوبة أن يشعر أحدٌ به فهو في صندوقك الأبوي المغلق.
أن تكون أباً .. يعني أن تثيرك بعض الأمور البسيطة في نظر الآخرين حين يتعلق الأمر بأبنائك، لأن بعد نظرك يرى أهميتها التي لا تستطيع أحياناً أن تفسرها إلا مع الوقت، ذلك أن الأمر يتعلق بالكثير بأنك ترى ثقتهم في أنفسهم أكبر ثرواتك وحديثهم عن أحلامهم أكبر من كل أحلام الدنيا التي يراها الآخرون .. وأن تهتم بكل ما يهتمون به حتى وإن كان جهلك به كبير حد الانفصال التام عنه، لكنك برغم كل شيء تحاول وتحاول.
أن تكون أباً يعني أن تكون إنساناً بكل ما تحمل الإنسانية من معنى، توازن انفعالاتك ومشاعرك وقوتك وضعفك لكي تكون قدوة حقيقيةً يراها أبناؤك الذين تكون بطلهم الأول ومثالهم الأول .. وبرغم كل شيء ستتقبل أن يمضي كل منهم في طريقٍ يختاره ويراه صواباً فتتقبله وتحياه معه وتحاول قدر الإمكان حمايته من نفسه ومن كل ما حوله حتى يدرك معنى أن يكون أباً.




 نسخ مكررة منّا

الرحمة التي وضعها الخالق في الأم والأب أعمق بكثير مما نتخيل، فهي نتاج روعة وجود الأسرة وتكامل أفرادها في إيجاد طريق الألفة في الحياة، ولكن كيف لنا أن نوازن بين الرحمة والحب والتربية والاعتماد على النفس في تربية أبنائنا بوجود كل التناقضات في أفكارنا ومشاعرنا وأفعالنا وحياتنا؟
هذا السؤال المهم يجعلنا نقف في حيرة أمام الحب وتوفير كل شيء حد الإفراط وبين الحب وتقليل العطاء المادي والمعنوي وحتى النصيحة والتوجيه في نظرة أخرى مهمة أيضاً وهي زرع الاعتماد على النفس وتوفير الخيارات أمام الأبناء، ما يمهد لهم الطريق للوصول لما يريدون أو على الأقل الوصول لاكتشاف ما يحقق لهم السعادة، ويقربهم مما يسمى الشعور الحقيقي بالذات.
نجد في الدلال المفرط أن الأب والأم يوفران كل شيء، ما يجعل الاعتماد على النفس أمراً شاقاً جداً على الأبناء، الأمر الذي قد يصل بهم بعد مدة من الزمن إلى إلقاء اللوم على الأبوين لعدم إتاحتهما فرصة اكتشاف الحياة للأبناء وفرصة الوقوع في الخطأ والتعديل في رحلة أو أخرى، والغريب أننا أحياناً نمنع أبناءنا من القيام بأمر ما بحجة أنهم لا يعلمون أو أنهم لا يستطيعون، ما يجعلهم يؤمنون بذلك حقاً طوال حياتهم فيصبح الأمر عقدة لا يمكن التخلص منها بسهولة في مراحل متقدمة.
إن من الحب ما يقتل الإبداع حتى إن الأب يقترح وبقوة على الابن التخصص والجامعة والعمل ومكانه، وربما يصل إلى اختيار الزوجة ومكان المعيشة وطريقتها.
وهنا لا يمكن لوم الأب أو الأم على ذلك لأنهما قاما بكل ما يستطيعان من توفير الحياة الكريمة للأبناء، لكننا نحتاج أن نتفكر في الأمر، في خلق جيل يعتمد على نفسه ويستطيع أن يختار ما يريد، يثق بنفسه وقدراته وينطلق ليواجه الحياة ويتعلم منها يصيب مرة ويخطئ ويتعلم أخرى ويتحمل المسؤولية كاملة منذ وصوله سن البلوغ باعتماده على فكره وعلمه وخبرته.
نحن نظن أحياناً أننا أمثال أبنائنا لكنهم ليسوا نحن ولا يمكننا أن نجعلهم نسخاً مكررة منا في كل شيء، لكننا نطمح ونحاول ونمضي لتكون حياتهم مفعمة بكل شيء.









قسوة مواجهة النفس
نتنفس أمام المرآة كثيراً ننظر إلى أنفسنا أحياناً بعد فترة من الزمن، فلا نصدق أننا نحن من يقفون أمام المرآة. تلك المرايا التي لا تعكس سوى صورنا الخارجية فقط، والسؤال ماذا لو كانت هنالك مرآة حقيقية تعكس ما بأنفسنا من دواخل وأفكار ومشاعر تختلط بها الطموحات والرؤى التي ننطلق بها لنقف أمامها بعد كل مدة زمنية فنرى التغيير الذي يحدث في أنفسنا في انسانيتنا في مواجهتنا للحياة؟ لا أظن أنها ستكون مواجهة سهلة أبداً خصوصاً أننا لا ندرك حقيقة التغيير الذي يحدث في أنفسنا عبر الزمن، فكل يوم يأتي إلينا يرسمنا من جديد يعيد تشكيل أحلامنا وطموحاتنا أفكارنا وتأثيرنا وتأثرنا، وكل يوم يضيف إلى إدراكنا شيئاً وإلى علمنا شيئاً آخر.
إن مواجهة النفس وإدراك السلوك – الذي غالباً يكون نتيجة تراكم فكري وبرمجة داخلية نشأت من التأثر بالفكر الاجتماعي أو الحضاري – أمر يحتاج منا الكثير الجهد ومن الهدوء والتقبل والتأمل الذي قد يجعلنا نفكر في مسار حياتنا من جديد فنعيد صياغتها كما نريد نحن لا كما يريد الآخرون، الأمر الذي يجعلنا نتخلص من الكثير من القيود السلبية المحبطة التي راكمها علينا الزمن والدراسة المقوقعة التي لا تصل بالإنسان إلى حقيقة قدراته وانسجامه مع ما يحب، بعض هذه المواجهة قاسية وقد تصيبنا بالصدمة لكنها تضيء طريقاً جديداً لأحلام إنسانيتنا التي لا تتسع رقعتها إلا إذا اتسعت نفوسنا في تلقي الحياة والانسجام معها بصورة حقيقية صادقة.
من منطلق مواجهة النفس يبدأ التغيير الداخلي الذي تتاح له فرصة أكبر، لكن ثمن التغيير لا يكون سهلاً غالباً، لأن التغيير الداخلي قد يضطرك إلى أن تخالف الكثير من الفكر السائد الذي لا يضيف إلى أحلامك وطموحاتك والطريق الذي قد يرسمه لك هذا التغيير فتتّهم بالانسلاخ عن المجتمع حتى وإن كان المجمع غارقاً في سلوكيات سلبية لا تضيف إلى الحياة الكثير.
مواجهة النفس شجاعة قصوى، هي مواجهة كل السلبيات والتراكم الفكري والنظر بإنصاف لكل ما يدور في ذهنك وفي الكون لتنطلق من الداخل للخارج لأقصى الحدود.




كل الطرق تؤدي بك إلى هناك
نمضي في الحياة وتأتي الطرقات أمامنا كل يوم ونمضي بها ولا نعلم إن كنا سنصل، سواء ـكان هذا الطريق طريقاً فكرياً أم عاطفياً أم طريق قرار حياتي نتخذه للوصول إلى هدف أو آخر.
في الحياة لنا الاختيار دائماً ولو أننا نظن غير ذلك، لنا أن نتخذ خطوة في الطريق وقبل ذلك لنا أن نختار الطريق الأقصر إلى الهدف، ولا بأس إن اتخذنا الطريق الأطول لكن علينا أن نؤمن بالوصول ونمضي، علينا أن نحدد أولوياتنا الحقيقية التي تنبع من حاجاتنا لا من شكلياتنا ولا من أولويات الآخرين التي نتبناها أحياناً فتودي بنا إلى طرق نسلكها دون أن نعي ذلك، تلك الطرق التي تجعلنا نلبس أثواباً لا نريد أن نلبسها ونأكل ما لا نريد أن نأكله بالطريقة التي لا تريدها حقيقتنا، والغريب أننا لا ندرك ذلك إلا بعد حين.
في البحث عن طرق الأهداف وطرق السعادة الحقيقية كأننا نبحث عن أنفسنا، ونبحث عن المحطة التي تختبئ فيها السعادة الأبدية حتى إذا وصلناها نبحث عن معنى جديد للسعادة في محطة أخرى لا نعلمها، لكنها قد ترشدنا إلى المحطة الأخرى وكأننا نطارد وصولنا من محطة لأخرى.
في الطرق نحتاج أن نملك من المرونة والانفتاح الشيء الكثير، نحتاج أن نكسّر القيود لننطلق إلى رحابة الحياة من رتابتها، نحتاج أن نتغير لنغير الدنيا ونغير الآخرين، نحتاج أن نمنح الحياة والخبرات فرصة أخرى لتكون أجمل في المحاولة إلى أخرى في الطريق الجديد نحو ما نريد في إنسانيتنا وعلاقاتنا وأن نكون قبل أن نفعل وأن يقودنا حدسنا النقي لما هو أرقى خارج الأطر الشكلية في التناغم الحقيقي مع المعنى في كل شيء لا المبنى، ووحده هذا الفكر الذي يحقق طاقتنا القصوى في السعي ليكون العالم أجمل وأرقى وأكثر سلاماً ونحن نمضي في رحلتنا في طرقاتها كافة نخلق أمثلة تدرك أن حقيقة التغيير تنطلق من الداخل للخارج في أن نصدق مع أنفسنا قبل أن ندعو للصدق بلساننا، فتصبح كل الطرق تؤدي بنا إلى هناك إلى ما نريد.





التوظيف وتضافر الجهود
برغم كل توجهات توظيف المواطنين والجهود التي تقام هنا وهناك في المؤسسات، إلا أننا لم نخرج من الأطر الشكلية بعد لنصل إلى عمق الجوهر الحقيقي وهو تنمية الكوادر التي تتحمل المسؤولية من خلال التوظيف، والناظر الحقيقي في المؤسسات المختلفة يجد خللاً كبيراً في مسألة التعامل مع السير الذاتية التي أصبحت تجارة تدار بين الشركات التي تدعي التوظيف وكتابة السير الذاتية وبين المؤسسات التي هي في فجوة كبيرة بين ما تريد وما تطمح له. وأضرب مثالاً : مؤسسة تريد شغل وظيفة ما تضع معايير أعلى من هذه الوظيفة بكثير من شهادات وخبرات فيكون المتقدمون أقل من المستوى المطلوب، ناهيك عن الفجوة الكبيرة في التقييم وكتابة السير الذاتية التي قد تضخم أو تقلل من شأن المتقدم وخبرته الحقيقية التي قد لا تكون بالضرورة مرتبطة بشكل مباشر بوظيفته السابقة وشهادته الدراسية حيث إن هذا المتقدم لا يحصل حتى على فرصة المقابلة ليثبت أحقيته من عدمها في الوظيفة.
ما زال هنالك مؤسسات تتعامل مع الموضوع باستهتار حتى إنها لا تكلف نفسها وضع آلية للمتقدمين لمتابعة طلباتهم في التقدم للوظيفة رغم كل الجهد، إلا أن هنالك حلقة مفرغة تحتاج الكثير من الجدية والجهد في تقدير خبرة المتقدم وإعطائه الأهمية وترتيب الأولويات وعدم الاتكال على الشركات التي تتعهد بالتوظيف أو المواقع التي نرى الكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة تعتمد عليها من دون النظر إلى تقييمها بشكل حقيقي وإعادة النظر في الآلية التي سببت هذه الفجوة.
وأذكر هنا مؤسسة رائدة في التوطين لكنها تقلل من تقييم المتقدمين وخبراتهم حتى إنها لا تضع خبرة السنوات في عين الاعتبار فيوظف من هو صاحب خبرة ويساوى بمن ليس لديه خبرة على الإطلاق بحجة الراتب العالي، وهنا نتساءل إن كان هذا هو التقدير المتوقع من مؤسسة تعتمد على الكم وليس الكيف برغم أن الحاجة كبيرة.
كل هذا وذاك يحتاج وقفة حقيقية على المستوى الوطني وأؤمن أن «مبادرة أبشر» فيها من الخير ما يُرجى في تقديم الدراسات الحقيقية وربما تقييم عملية التوظيف في المؤسسات بعين ثالثة.




بين الخيال والواقع وسوط المجتمع
لعلنا نقع الآن في عصر جديد في ثورة المعلومات أو ما يسمى عصر المعلومات الذي جاء بانتشار الحاسوب بعد العصر الصناعي، وهذا العصر الجديد هو عصر التواصل الاجتماعي الذي ألقى بالتعبير والرأي من صناديق الخاصة في الصحف والمجلات والتي كانت تفرض هذا الرأي على الجميع إلى العامة التي لم تكن تجد منبراً لها، وهذا الأمر خلق فرصة كبيرة للكثير من الأقلام الشابة التي وجدت فرصة للتعبير عن الرأي والدخول في اختصاصات الطبقة التي كانت تسمى بالخاصة في منافسة شريفة تتجلى بوجود الفرصة للجميع لوصول الصوت والرأي.
لكن هذه الأقلام تواجه ثلاثة مؤثرات هي الخيال والواقع وسوط المجتمع، وهذه المواجهات التي لا تكمن إلا في داخل الكاتب جعلته أحياناً يتوقف عن التعبير لهذه الاعتبارات المؤثرة في خط كتابته، الأمر الذي يجعلنا نفسر وجود أسماء مستعارة مبدعة غاية الإبداع وجدت لها من المتابعين من يستقي ووجدت خطها الذي يفتح أمامها فسحة للخيال خارج أسواط المجتمع المقيد للحرف والأحاسيس، ما يصل بمن يكتب باسمه أحياناً لأن يقبع في صندوق محدد مقيد للإبداع الخيالي الذي يتيح فسحة التعبير لسواه.

وهنا نشير إلى أهمية حرية المنبر وحرية الكاتب في اختيار خياله الذي يجب ألا يجلد بسوط المجتمع الذي يفسر جهلاً هذا الخيال الأدبي الرحب كما يشاء ويربطه بواقع الكاتب فيؤثر بالأقاويل على حياته أو يوقع بعض المتابعين والقرّاء في إثم الظن الذي هو بعيد كل البعد عن أدبيات الكتابة التي ترتبط بحرية المشاعر خارج أطر الواقع التقليدي، ما يرسم صورة رحبة للحياة، ويتيح لحواسنا أن تتفتح كالأزهار في الكلمات وتحلق كالأطيار في الفضاء الذي وإن عاد إلى واقعنا يرسم فيه الأمل والتفاؤل والصفاء ويجمعنا بالأمل والحب بمفهومه الأوسع الأرقى خارج حدود التأويل، فالتلقي في نهاية الأمر يرجع للقارئ والكتابة تحمل من التأويل ما تحمل.
نكتب ما نريد ويفهمون ما يريدون كانت هذه التغريدة لي على تويتر تفتح أفقاً جديداً في تلقي الكتابة بمجردها خارج إطار تحميل الكاتب أو الكاتبة وواقعهما أكثر من اللازم.




السيمفونية

تخيل أنك في مسرح ضخم لحضور أمسية موسيقية للأوركسترا الفلانية، وقرر كل عازف في الفرقة التي تتكون من عشرات العازفين أن يعزف ما يشاء خارج النوتة الموسيقية، في هذه اللحظة فقط ستدرك مفهوم التناغم الحقيقي في العمل الذي يؤدي إلى إخراج القطعة الموسيقية بانسياب تام في مسامعنا، ولا يكون ذلك إلا بالتناغم التام مع قائد الأوركسترا الذي يشير للعازفين بالإبداع وإعطائهم المساحة الكافية من حرية الإبداع في الوقت المناسب وتقديرهم على ذلك.
هذا المثال ينطبق على الحياة بشكلها الأكبر بداية من الأسرة وانطلاقاً إلى المجتمع والمدرسة والمؤسسة التي يكمن سر نجاحها الحقيقي في هذا التناغم الفكري والعاطفي والروحي والجسدي الذي لا يكون إلا بالاتفاق على المعزوفة ودراستها وترتيبها، بعد تمكن كل عازف من آلته وإبداعه الخاص الذي قد يكون نتاج سنوات من الخبرة والعمل في الإبداع وتطوير المهارات بوجود حلم العزف في الأوركسترا واضحاً في ذهن العازف الحقيقي الذي يدرك أن كل لحن يضيف إلى المعزوفة العذبة، وأن كل تصفيق خالص من روح صادقة سيسهم في تطويره كعازف وجعل السيمفونية أجمل وأرقى في ذاكرة كل الحضور.
إن أساس تكوين الفرقة الموسيقية التي تخلق هذا التناغم هو ذاته الأساس الذي يخلق التناغم الأكبر في الحياة، ولا يكون ذلك إلا بالتركيز على الإخلاص والعطاء والنظر إلى الصورة الكبرى وترسيخ الهدف الأسمى والمصلحة العامة التي ستضيف للجميع، وهنا أشير إلى أن درجة الإبداع على أهميتها يجب ألا تخرج عن إطار التناغم، فالعازف الحقيقي هو من يحمل روح الانتماء للفرقة والعمل ضمن إشارات القائد معطياً نفسه حق الإبداع لا الانفلات الذي يؤدي إلى الخروج من إطار التناغم الحقيقي.
ماذا لو آمنت أنك عازف حقيقي مبدع في روحه في سيمفونية الحياة، تؤمن بالجمال.. تؤمن بأن كل لحن يضيف إلى الحياة، إلى جمالها، إلى عطائها، تغض النظر عن الأخطاء، تساعد من يحتاج يد العون بروح العطاء، وتنساب في انسكاب اللحن في رقي تنظر إلى الأمام تؤمن بأن القادم أجمل، وأن رقي الفكر والحس هو رقي الإنسان الحقيقي.


الثقافة ليست للعواجيز فقط
بعد مرحلة لا بأس بها من التطور وسرعة الحياة نحتاج أن نرجع إلى مفاهيم غرقنا بها ونحن نظن أننا نعرفها جيداً، وغالباً ما يكون رجوعنا إلى المفاهيم هذه صدمة كبيرة. لنفرض أننا نرجع إلى مفهوم الثقافة في المجتمع، فإننا نجد فكرة سائدة تسيطر علينا مهما قلنا إننا نعلم المعنى الحقيقي خلف الثقافة، فالتصور الذهني يقودنا في نهاية الأمر إلى أن نتخيل الأدب أو ما هو سائد أو ما نركز عليه في حياتنا والذي يتمثل في ترسيخ مفهوم الثقافة فقد لا نجد له جذراً حقيقياً.
والأغرب أحياناً أن تجد من تشكلت لديه فكرة مضادة لمفهوم الثقافة لكثرة ما صادف من أشخاص يضعون الثقافة في ما يسمى بالقالب النخبوي الذي جعلها حكراً على فئة قليلة من الناس يجلسون في جمعية معينة ويؤمنون بمناصبهم، حتى إنهم يضعون أنفسهم موضع الأساتذة وأن من لا يخرج من تحت عباءتهم ليس مثقفاً، والغريب أن هذه التكتلات لا تواكب تطور الشباب وسرعة تلقيهم للثقافة والحياة، ما أتاح وجود نفور كبير حتى من فئة الشباب لما يسمى المراكز الثقافية أو النوادي الأدبية لأنها لا تمثل قيمة حقيقية لديهم، ناهيك عن المجاملات ومحاولات ترسيخ مفهوم الأستاذية من قبل بعض المتسلقين الذين يبحثون عن منبر يفرضون به ما يظنونه صحيحاً.
آن الأوان لهذه المؤسسات أن تتخلص من درنها وأن تكون منبراً حقيقياً لروح الشباب وآن لها أن تطهر نفسها من الذين يحاولون أخذ زمن غيرهم، فسرعة الحياة لم تعد تحتمل صراع الأجيال ولم تعد تحتمل العقليات القديمة التي تجلس على عروش الثقافة وتفرض ما تظنه صواباً وتشتكي بالبكائيات أن الجيل لا يقرأ ولا يتواصل مع المؤسسات، فالإيجابية الحقيقية والتسويق الحقيقي هو أن تخلق قيمة حقيقية تضيف إلى هاجس الشباب وتساعده على إيجاد ما يحب وتعطيه فرصة ليعبر عن نفسه. وأذكر تلك المحاضرة التي تحدث فيها ذلك الشاب اللامع يوماً بعد أن انتهى الكل من الأسئلة وفرض العضلات وإظهار حجته ووجهة نظره حين قال متى سيدير الشباب هذا المكان.





الاهتمام ولا شيء سواه
الاهتمام عاطفة ترتبط بنا كثيراً تحيا في قلوبنا كلما آمنا بوجودها .. تكبر بنا. الاهتمام كلمات وجُودٌ رائع يشعرنا بإنسانيتنا، الاهتمام تربية تبدأ في المنزل بالعطاء، فمن يعطك الاهتمام يعلمك أن تعطي الدنيا اهتماماً لأنه بعطائه يبذره في روحك.
كثيراً ما يطلب الإنسان الاهتمام من الخارج وينتظره لأنه يشعر في داخله أنه يستحق الاهتمام، وهذه الفكرة صحيحة فإن كل انسان يستحق الاهتمام، ولكن الاهتمام الخالص لا يُطلب ولكنه يمنح بالحب والمودة والصدق، وقد يكون الاهتمام مختلفاً في طريقة التعبير من شخص لآخر، فتفسير الاهتمام ليس بسيطاً لأنك قد تشعر، وأردد تشعر بالاهتمام حسب تلقيك لهه، وحسب معايير الاهتمام التي ترسخت في ذهنك عبر بيئتك الخاصة ونشأتك، فتقدير الاهتمام القليل مهم جداً ليترسخ هذا الشعور في حواسنا ويشعرنا بالاكتفاء إلى حد ما، وهنا أيضاً نحتاج أن نفسر العطاء كما نريد، لنشعر أنه اهتمام حقيقي من الطرف الآخر سواء أكان هذا الطرف الآخر فرداً أو جماعة أو حتى مؤسسة أو وطناً.
ما أستغربه أحياناً أن كثيراً ممن أصادفهم يشتكي من عدم اهتمام الطرف الآخر أياً كان هذا الطرف الآخر، وحين أبدأ بالأسئلة لا أجد لديه تفسيراً واضحاً للاهتمام، فالموظف يطلب الاهتمام والزوجة تطلب الاهتمام والأم تطلب الاهتمام، وأكثر ما يحير في الأمر أننا لا نملك بوصلة تشير إلى الحد الأدنى من الاهتمام، فيتغير الشعور بالاهتمام بعمومه إلى محاولة لإشباع الأنا التي لا تشبع وتطلب المزيد، فهي لا ترى الاهتمام الذي تحصل عليه، لكنها ترى الاهتمام الذي تريده وهو المزيد، من دون أن تحدد ما هو المزيد.
لا تكمن خطورة طلب المزيد من الاهتمام إلا في أنك قد تخسر الاهتمام الحالي في توقك للاستزادة، ولا تدرك ذلك إلا بعد فوات الأوان، خصوصاً إذا كان المعطي استنفد الكثير من طاقته في العطاء. ونشير هنا إلى أهمية أن نتعامل مع مشاعرنا التي تترسخ في مفاهيم عامة لنحافظ على سير الحياة بالرضا والعطاء والاهتمام والرقي بإنسانيتنا وعلاقاتنا الداخلية والخارجية على حد سواء.




الصورة الكبرى لتطوير الفرد

تنفق المؤسسات المبالغ الطائلة في التنمية البشرية وتطوير المـوظفين بما يتوافق مع متطلبات العمل في سرعة الحياة، وهذه المبالغ الطائلة والفرص المتاحة في توافد المحاضرين والنماذج التي يمكن الاستفادة منها خلقت ثورة معرفية حقيقية في تطوير الإنسان بوصوله لأهدافه وبلوغ المؤسسة أهدافها من خلال الارتقاء بالإنسان، والفرص الكبرى التي نراها عبر توفير برامج القيادة ورؤية قيادة الدولة في حكمة خلق قيادات ومؤسسات تقوم على اتخاذ القرار، تضعنا موضع المسؤولية في الاستفادة القصوى من كل ما يدور كثورة معلوماتية وعلمية تفوقت بكثير على ما يدور في أوروبا من خلال الشبكات المتطورة والسرعات العالية لشبكة المعلومات المتاحة للجميع، بسبب الرؤية الثاقبة التي اتخذت قرارات الاستثمار في توفير الشبكات لتصل إلى المنازل وتسبق الجميع نحو التطور والنجاح.
كل ما تقدم واقع نحياه يوافقني عليه من يشارك في الخارج في المؤتمرات والندوات العالمية، حيث إن الصورة أبعد بكثير من المقارنة، وما نتمناه فعلاً أن نجد في روح الشباب الإيجابية الطاقة التي تواكب هذا النجاح بأهداف سامية في تعزيز نمو الفرد في الاستفادة من كل ما يحيط ومن كل الفرص المشرعة لأن حضور دورات الدنيا جميعاً لن يفيد المرء ما لم يسعَ بروح عالية للإيمان والتطبيق والارتقاء، فلو أن كل من يحضر دورة أو يلتمس علماً يركز على أن يوظف هذا العلم ولو بشيء بسيط في تطوير أمر ما على تراب هذا الوطن، فستكبر الاستفادة ويعم الخير.
كل ما في الأمر أنك تستطيع أن تأخذ الفرس للنهر، ولكنك لا تستطيع أن تجبرها على الشرب كما يقول المثل، لكننا كشعب آمن بالعطاء نرسخ سعىنا نحن لبناء التطوير الذاتي من خلال الوسائل كافة في سبيل خدمة الرؤية الكبرى في وطن منتج يقوم بهذه السواعد البيضاء ليرسم طريقاً رائعاً لأجيال تأتي وتكمل المسير باتجاه الرقي الإنساني، إذ نؤكد كل يوم قيادة وشعباً أننا نخلق نموذجاً متكاملاً من العطاء يؤمن أن المصلحة العامة هي الأساس وأننا نكون أفضل لتكون الدنيا أفضل وأجمل وأرقى.




العمل الحياة
العمل حياة حقيقية لا يدركها إلا الذي يفهم معنى أن تعطي للعطاء، وهذا المفهوم يأتي من منطلق البحث عن الأسباب الحقيقية التي تدفع الإنسان للعمل بإخلاص بما يتوافق مع قيمه وقيم الأماكن التي يعمل بها في خدمة رؤيته الإنسانية التي اتخذها لنفسه، وانطلق بها إلى أسرته ثم العالم أجمع.
أذكر هنا مقولة لأحد المحاضرين حين يقول: «إنك مخطئ إذا كنت تعتقد أنك تعمل عند أحد، فالإنسان يعمل لنفسه أولاً ثم المؤسسة التي يقدم لها خدماته مهما كانت، فالمؤسسة هنا ليست المعيل بقدر ما هي مكان أو عميل لديك يدفع لك قدر خدمتك له»، وعلى هذا الأساس نسأل سؤالاً لكل موظف إن كان يقدم خدمة توازي ما يتقاضاه من راتب؛ وإن كانت الإجابة نعم، فهل يملك الشجاعة ليبدأ عمله الخاص ويتوقع أن يوازي دخله هذا الراتب الذي تصرفه هذه المؤسسة؟
إن الإجابة على هذا السؤال تضعنا أمام مسؤولية التركيز على إضافة القيمة للمكان، وبالتالي إلى الوطن من خلال العمل والعطاء الحقيقي ولا شيء سواه، وإذا وصلنا إلى هذا المستوى فسترتقي كل المؤسسات والدوائر إلى أعلى المراتب بترسيخ مبدأ العطاء الحقيقي الذي يبث الروح في المكان، ويضع العميل والخدمة أساساً للاستمرار.
ومن هنا نشير إلى أن الجيل الجديد قادر على العطاء وتولي زمام الأمور بهمة العمل باعتباره عصب الحياة إذا ما وُضعت الثقة في محلها وإذا ما تنازل بعض من يمثلون الجيل القديم برحابة صدر لإعطاء الجيل القادم فرصة لاستكمال المشوار. وهنا نشير إلى أن بعض الجيل السابق يتشبث بمقعده ظناً أن الجيل الحديث ما زال صغيراً على تولي الأمور في المؤسسات، متناسياً أن القيادة الحقيقية هي التي تبني بالعمل ثقافة العمل وروحه في الجيل الحديث، وبتدريبه الذي قد يُختصر كثيراً عن السابق الآن بوسائل التعلم الحديثة والتدريب الشخصي ووضعه في فوهة المسؤولية وحرية اتخاذ القرار والتعبير عن الرأي وتقبله ودمج الخبرة بالتجريب الحديث في ثقة التقدم للمستقبل بعمل ثابت مؤسسي يُبنى على ثقافة تراكمية لما هو أجمل.


على بعد خطوتين من الحلم

كثيراً ما نرمز إلى الطموحات بالأحلام تلك التي نسعى لها في حياتنا، نراها في قلوبنا.. في أفكارنا، نتخيلها وربما نحياها حتى قبل أن نصل إليها، بعضها منطقي وبعضها خيالي وبعضها يوصلنا إلى حقيقة ما نريد، وبعضها يتحقق وبعضها بسيط وبعضها معقد يتصل بإنسانيتنا وحقيقة الحاجات الحقيقية التي نؤمن بأنها تجلب السعادة لنا. ومن هذه الأحلام التي تأتي في بداية حياتنا ما يتعلق بالإنجاز وإنهاء المراحل ربما الدراسية أو العملية، كالوصول إلى منصب أو مبلغ من المال أو السفر إلى مكان ما وما شابه ذلك، ومنها ما يرتبط بحلم تكوين الأسرة أو تطوير الذات والعمل على مشروع خيري وإنساني يرتبط بما نؤمن به من روحانيات.
كل هذه الأحلام أو الطموحات تعود بشكل أو بآخر إلى حاجيات الإنسان الحقيقية الأساسية في الحياة، والغريب أن بعض هذه الأحلام لا تكون كما هي في شكلها الخارجي لكن تستتر خلفها أحلام بسيطة سهلة المنال، مثل من يرغب في بناء قصر ليستقر أسرياً على سبيل المثال، فالحلم الخارجي هو القصر أو المنزل الكبير والحلم الحقيقي هو الاستقرار الأسري فلو ركز صاحبنا على حلم الاستقرار لكان أقرب للوصول إليه.
والغريب أن في رحلة البحث عن الحلم والطموح يأتي الكثير من الأفكار والتناقضات الداخلية، خصوصاً إذا طالت رحلة الدأب والسعي في سبيل الوصول إلى ما نريد، وتأتي أسئلة الشك في حقيقة السعي، ولكن الناجح وحده هو الذي يدرك أن عليه السعي والبحث الذي لا ينتهي مع الإنسان في رحلة تبني ما يكمن بداخله من معتقدات، وبهذا البناء يضيف إلى الإنسانية في مشاركة الآخرين تجاربه وإنجازاته.
أخوف ما أكون أن أكون على بعد خطوتين من الوصول للطموح أو الحلم، فأختار تغيير المسار باتجاه أمر آخر، أو أن أرى من هو قريب من حلمه لكنه لا يعي ذلك، فيختار الانسحاب والتنازل، لذلك وجود هذا الخوف يجعل الإنسان يكمل سعيه ويتقدم خطوات وخطوات ليكتشف نفسه أكثر وأكثر في سبيل السعادة وتحقيق الذات. والرائع في الأمر أن البشرية اجتازت في التعامل مع الإحباط مراحل مكنتها من مواصلة المسير لأن القادم أجمل والوصول قريب.

سفر ومقهى

في المقهى سفر كبير نعبر به إلى أرواحنا إلى أحلامنا، سفر نهرب به من كل شيء لنعود إلى أنفسنا في كوب القهوة الساخن في رحلة كنا نعد أنفسنا لها في زحمة الحياة والأفكار والمشاعر. وكأن المقهى مطار أرواحنا مطار تحط مشاعرنا فيه لنستعيدها حتى بعد تاريخ الجلسات التي كنا نجلسها معاً في صحبة أصدقائنا، نحلم بالحلم ونضع أسباب الوصول إليه ونناقش فكرة نعبر بها إلى المستقبل من خلال رحلة الحياة، حتى إن بعض الشركات والمؤسسات أدركت أن أكبر الأفكار التي قادتها للصدارة كانت نتيجة جلسة في المقهى.
ولعل ارتباط الإبداع والعقل الأيمن ارتباطاً كبيراً بالحرية والتجديد وكسر الأطر ربط هذا المقهى بالسفر الذي يحملنا إلى ضفاف جديدة سواء أكان هذا السفر سفر جسد إلى مكان ما أم سفر خيال وفكرة نرحل به إلى أفق أرحب يجعل حياتنا أجمل وأرقى وأبهى لنتمكن من تحديد وجهاتنا القادمة .. نسافر أحياناً عبر صحيفة أو عبر مقال إلى وجهة تمنحنا من الإيجابية ما يمكننا من إيجاد فكرة قد تغير العالم إلى الأجمل. وكم من فكرة ولدت في سفر خيال كان لها تأثير يجعل حياتنا أسهل بما يجمعنا بإنسانيتنا أكثر لنتنفس وكأننا نبدأ من جديد في إعادة صياغة حياتنا وترتيبها لانطلاق جديد يوازن بين فكرنا وعواطفنا للحياة الأجمل.
بين الفترة والفترة أجد نفسي في المقهى في سفر مع ورقة فارغة أعيد فيها ترتيب الآمال بصحبة قهوتي لأخطط من جديد وأعيد ترتيب أولوياتي في صورة كبرى ربما أكبر من التفاصيل التي ضعت بها في زحمة الأفكار، لأرجع من هذا السفر جديداً برؤية تختلف ربما عن الوجهة التي نسيت بها الإنجازات لأراها من جديد بصورة أخرى تساعدني على التقدم للبحث عن إنجازات أخرى جديدة مهما كان حجمها، فالإنجازات الكبيرة لا تأتي إلا من تتابع الإنجازات الصغيرة في حياتنا والتي تكبر ما آمنا بها .. إنها كبيرة لتثمر وتتوالد في أرواح من يؤمن بها ويرسلها للآخرين في صورة جميلة بِنية صافية لا تحمل إلا الرقي والإيجابية ومحاولة الإضافة لروعة الحياة ورقي الإنسان.




الدكتور الموقر

جاء الدكتور الموقر وجلس فبدت الهيبة على الجميع لأنه كان الأعلى بين الحضور شهادة وعلماً كما يُعتقد، والغريب في بداية الحوار أن الدكتور لم يكن من المتحدثين حتى إن إدارة الحوار كانت من أحد الشباب المثقفين الأقل شهادة والأكثر قراءةً واطلاعاً، وهنا بدأ السؤال إن كانت الشهادة العلمية تستحق منا كل هذا التقدير أم أن التقدير الحقيقي للعلم والثقافة والاطلاع. والأغرب أن كثيراً من حاملي شهادة الدكتوراه في الساحات منذ سنوات يرفض أن تناديه باسمه دون كلمة دكتور قبل اسمه الأول ولو كانت الدكتوراه في الطب الشعبي من ممارس عام من جامعة مجهولة..
هل أخذتنا الألقاب حقًا في الحياة فأصبحنا لا نميز بين العلم والشهادة وحقيقة التقدير، وهل وصل بنا ما وصل من منحنى إنساني مجتمعي ونحن ندرك أن أغلب التعليم متقوقعٌ حول نفسه حسب الدراسات ولا يمت إلى الحياة الواقعية بصلة، والدليل أن يتخرج من يتخرج بشهادته التي لا يملك أن يوظفها في المجال العملي في الحياة أكثر من أن يبدأ موظفاً ليبدأ رحلة التعليم العملي الحقيقي وكأنه لم يتعلم شيئاً في الجامعة.
كل هذه التساؤلات تصب فيها تساؤلات أخرى إن كانت شهادة الدكتوراه تجدي في الحياة حقاً في سرعة العجلة الآن في عصر المعلومات التي تنشر في الشبكة في مواكبة الحياة وتنقية ما يدور على ساحات التواصل الاجتماعي، ألا نحتاج أن نعيد اختبار كل من يحمل شهادة الدكتوراه بعد ثلاثة سنوات على الأقل لمواكبة التطور واختبار إذا ماكان يستحق هذا اللقب المجتمعي الذي منح على أساس العلم والبحث حاله حال الشهادات العملية الأخرى.
وتساؤلاتٌ أخرى تفتح أبواباً جديدة في الحياة في الأطباء الذين جرت تسميتهم عرفاً وتقديراً لمنتهم الإنسانية يحملون هذا اللقب ويجولون به في الصحافة وفي المجالات الأخرى ما يجعلنا نعود إلى حقيقة التسميات وإعادة النظر فيها وفي تقديرها لعلنا نجد وسيلةً أفضل في وضع المقادير، حيث إن الدراسات تشير إلى أن أغلب صنّاع القرار في المال وفي الحياة لا يملكون شهادات دكتوراه، وربما يملكون من الثقافة ما هو أسمى في التعامل مع الحياة وتطبيق العلم في خدمة البشرية خارج المسميات التي لا تسمن ولا تغني من علم.


كعابر سبيل

يعيش الكثير منا حياته كعابر سبيل من دون أية توقعات، يفتقد الخطة الواضحة للوصول لما يريد والأصعب هو أن لا يعرف ما يريد فيكون في حياته أقرب لمن يمشي في شارع لا يدرك أين يوصله، ولا يدرك إذا كان هذا الشارع سيوصله لما يريد. والغريب أنه لا يدرك أنه يملك الاختيار في تغيير مسار حياته بين عشية وضحاها ليتلمس قيادة الأمور وتوجيه حياته لما هو أفضل. وهنا تأتي الحاجة الحقيقية لرؤية الكثير من الأمور في أذهاننا قبل تحقيقها، وهو أمر قد نجد الصعوبة في التفكير فيه، ولكننا نمارسه ذهنياً كل يوم تقريباً في تخيلنا لما يحدث في حياتنا. فالكثير مما حققنا في الماضي كان تصوراً ذهنياً عشناه في خيالنا قبل أن يكون، سواء كان إيجابياً أم سلبياً، وعلى ذلك النهج فإن ارتفاع مستوى الإدراك هو ارتفاع القدرة على اختيار الأفكار النافعة والحفاظ عليها وربطها بالعاطفة لتترسخ في مستوى العقل الباطن بشكل أهداف خفيةٍ تضيء طريق الحياة فتصلنا بما نريد بأقصر الطرق بعيداً عن التفكير المنطقي الذي قد يصل بنا إلى التفكير في مشكلات الطريق قبل أن نمضي فيه.
إن مراقبة المشاعر والأفكار في اللحظة الآنية والقدرة على المكوث في اللحظة، وربما التمكن من نقدها وتعديلها في اللحظة ذاتها هو ما نطمح إليه، وهو ليس بالأمر المحال ولكنه مراحلٌ من التدريب في الحضور في اللحظة وعدم التفكير في الماضي وحتى المستقبل وهنا تكمن اللحظة الحالية التي لا نملك سواها، وعلى ذلك نأتي من منطلق تحديد الاتجاه الذي الحقيقي الذي ينطلق من رغبتنا الصادقة في الانطلاق نحو أهدافنا المجردة والتي تنطلق من حاجاتنا الحقيقية لا من حاجات الآخرين وتوجهاتهم وعلى ذلك سنتمكن من بناء ذواتنا بطريقةٍ تمكنها من التعامل مع الحياة وصعوباتها بالتقبل والتخطيط وبديهية التعامل الذي يساعدنا في تحديد اتجاهات حياتنا ومساراتها في سبيل الرقي بالإنسانية في شتى المجالات المختلفة.
لعل للمجهول والحرية لذةٌ في الحياة تثير الفضول وتضيف المتعة في الاختيارات التي ننطلق من أجلها كل يوم ولكن حضور التخطيط في حياتنا وقراراتنا والالتزام بها تمنحنا فرصةً رائدةً للرقي.

الرحلة
كان يحلم بالسماء، وقف على أعتاب دراسته في الثانوية العامة وقال له أخوه الأكبر ستتخرج وستحقق كل ما تريد. تخرج وبدأ رحلة العناء في الدراسة لسنوات وهو يأمل أن الحياة الحقيقية ستبدأ بعد الجامعة كما كان يظن أن مرحلة الجامعة هي الحياة الحقيقية التي سيستمتع بها، تخرج بتقدير جيد والتحق بمؤسسة جيدة براتب جيد يسيتطيع أن يفك به حرمان السنوات فاشترى سيارة وبدأ التفكير في الزواج.
بالطبع كان كما قيل إن الراحة الحقيقية هي عندما تعمل وتستقل، والراحة الحقيقية أيضاً عندما تتزوج وتستقر، ولكن المظاهر في الزواج لم تمهله كثيراً من الراحة فهو الآن يفكر أنه عندما يتخلص من ديونه بعد عشر سنوات سيستقر، رغم أن حلم البيت المرسخ في المجتمع هو الاستقرار الأكبر الذي قد يكلفه سنوات وسنوات من الديون.
كانت هذه الثقافة التي انطلق بها إلى الحياة والتي ينطلق بها الكثيرون في مجتمعنا، رغم أن السعادة الحقيقية ليست فيما سيأتي ولكنها في الرحلة، نعم الرحلة بكل تفاصيلها بكل روعتها.. ذكرياتها التي نمر بها حين نتذكر الدراسة والجامعة ومراحل العمل الأولى حتى إنه يخيل لنا وكأنها مرت سريعاً من دون أن نحياها في حاضرها بكل ما تحمل من معان ترسخت في كل تفاصيلنا، في كل أغنياتنا.. عطائنا وكفاحنا.

فكل إنسان قصة من كفاح تستحق أن تكتب وينظر لها من بعيد وتنقل لجيل جديد بود للاستفادة الحقيقية التي تتلخص بأنك لا تملك المستقبل، لكنك تملك الحاضر بكل ما فيه من روعة وجمال.
بعد سنوات وسنوات من الانخراط في العمل والعلم والحياة يصل الإنسان إلى أنه كان يركض وراء سراب ونسي أن يستمتع بالرحلة الحقيقية وينظر لكل التفاصيل التي حوله التي شكلت تأثره وتأثيره ليكون أفضل وأرقى، مشاركاً ولو بجزء بسيط في إدارة عجلة الحياة الرائعة بكل ما فيها من معان تضيف إلى الإنسانية. ومن هنا أدعو كل من يركض وراء الحياة أن يهدأ قليلاً ويتنفس ويقدّر ما يملك ويركز على ما لديه لا على ما سيحصل عليه، فلا يكون كالزارع الذي يزرع الورد كل يوم وينسى أن يستمتع بجماله وروعته.




ما وراء النظرة السطحية

كان يقف خلفهم أمام جهاز الصراف الآلي، وقفوا ينظرون إليه باستخفاف وتعالت الضحكات منهم، لم يكن يطلب منهم شيئاً سوى أنه أراد من أحدهم أن يعلمه كيف يستخدم جهاز الصراف الآلي، حتى إنه استغرب من ضحكاتهم وتركهم وغادر المكان بزيه البرتقالي ومكنسته وتابع عمله بصمت.
كان هذا الموقف في أحد المراكز التجارية وأمام مرأى الجميع ما أثار أسئلةً وأسئلة تتعلق بإنسانية بعضنا في التمييز بين الناس والنظرة لهم التي قد تنطلق من فكرٍ يقيس الآخرين بمستوى تعليمهم ومهنتهم خارجاً من إطار الإنسانية والبساطة التي مهما ابتعدنا عنها نعود إليها. فكم من صاحب منصب تركه منصبه وعاد إلى نفسه يبحث عن ذاته من جديد من خلال عمل إنساني أو تطوع يحقق فيه ذاته أكثر وأكثر وكم من نظرة سطحيةٍ اكتشفنا عدم صحتها من خلال الغوص في بعض التفاصيل باحترامنا للإنسان والتجربة التي ترتقي ما ارتقى الإنسان، وأذكر هنا قصة المدرس الذي كان على متن طائرة فسأل الرجل الذي بقربه ما هو عملك؟ فأجاب ببساطة أنا أبيع السمك، فنفر منه الرجل متعالياً لأنه ينظر لبساطة بائع السمك ولا ينظر إلى إنسانيته وما يقدمه للحياة على أساس أنه رجل العلم والتعليم. وما إن وصلا للمطار حتى اقترب بائع السمك منه وقال له: رأيتك نفرت مني، ما هو دخلك الشهري؟ فاستغرب المدرس وأجاب، فقال له بائع السمك إنه يبيع السمك بكميات تجارية، وإنه حقق ثروته الطائلة من ذلك ولا يخجل أن يقول إنه بائع سمك، ما أثار صدمة المعلم صاحب الدخل المحدود الذي ينظر للآخرين نظرة مختلفة ويقيمهم بقصور.
والشاهد من الأمر أن نظرتنا السطحية في تقييم البشر يجب أن تتعدى المظهر لتدخل في عمق جوهرهم وما يقدمونه للإنسانية من عملٍ يضيف إلى الرقي البشري ويسهم في بناء الوطن بإيجابية وعطاء يتجاوز حدود الشكليات والمظاهر التي يعتنقها بعض الشباب وكأنها هي الحياة الحقيقية في إبراز الشخصية والفكر الإنساني الذي يمثل ما ننتمي إليه من أخلاق. وتبقّى أن نحيي كل أصحاب المهن الإنسانية الرائعة وأتذكر مقولة أن عامل النظافة رجل مهنته النظافة يحتقره أناسٌ مهنتهم القذارة.


روعة الأخطاء

الخطأ أمرٌ لا نستطيع تلافيه في الحياة، بل إنه جزء أساسيٌ في عملية التعليم وممارسة الحياة، لكن الأطفال في مجتمعاتنا يولدون وكأنهم ولدوا للكمال، فتقبُّلُ الآباء حتى لأخطاء طفولتهم يأتي بالغضب والانفعال ولا يأتي على أسس التقويم والتركيز على الصواب وعملية الضرب التي ورثوها أباً عن جد شكلت اتقاء الخطأ بالتخوف لا بالتحبيب في الصواب. لذلك ينشأ من عملية الخوف من الخطأ خوفٌ أكبر وهو الخوف من اتخاذ القرار والبحث عن موافقة معنوية تجنباً للعقاب والتأنيب الذي قد ينشأ مع مخاوف تكبر في المستقبل، ومن هنا تكبر هذه الشخصية لتمارس دورها في أن تخاف من الخطأ ومن المحاولة، وتحاول أن ترضي كل من يحيط بها من خلال تحمل الجزء الأكبر من المسؤولية والشعور بالذنب حتى وإن كانت على حساب الذات خارج إطار المنطقية لأنها اعتادت على العطاء لتتجنب أن تكون خارج إطار المثالية والكمال، ولم تعتد على العطاء لمجرد العطاء، كأن يقوم الطفل بإطفاء النور خوفاً من عتب الوالد بدل أن يعي أهمية الترشيد وأنه بذلك يضيف قيمةً إلى الحياة وإلى المجتمع بشكل أكبر مما يحتويه إطفاء النور في مفهومه المجرد.
هنا نأتي إلى نقطة مهمة جداً تأتي من الانطلاق بمنطق أن الكمال لم يكن للبشر، ولكننا أينما كنا وكيفما كنا نحاول ونحاول ونخطئ ونكرر التجربة، فالخطأ وحده القادر على أن يرشدنا على الطريق والاعتراف بالخطأ سمةٌ نحتاج أن نحببها لنتعلم من أخطائنا الجميلة التي تضيف إلينا ونمضي لا لنشعر بالذنب ونحلل الخطأ، ولكن لنكون أفضل في الإصرار على المواصلة والانطلاق إلى الأمام بأحلامنا وطموحاتنا بعيداً عن الاهتمام بما سيقال ولكن انطلاقاً من أنك وحدك القادر على تغيير حياتك بتقبل الخطأ وطرح أساليب وأسباب التصحيح وتعلم الدرس والانطلاق للأمام.
ما أقصده هنا بالطبع الأخطاء التي ترتبط بالتجربة الشخصية والتي قد ترتبط في تطور الفرد بالتعلم والتقويم والمجال مفتوح أكثر وأكثر للبحث في كيفية التعامل مع الأخطاء الرائعة التي تصقلنا في مختلف المجالات وفي العمل والمؤسسة وغيرها.



نية التواصل

حين يرن الهاتف تزداد ضربات القلب، وتكبر الأسئلة قبل أن تقع أعيننا على رقم هاتف المتصل، وتكون الأسئلة أكبر لو وجدنا أن رقم الهاتف غريب عن القائمة المحفوظة، وما إن نرد على هذا الاتصال حتى تكبر الأسئلةُ في الحوار الداخلي ما إذا كان هذا المتصل يريد شيئاً أو يحاول الوصول إلى شيء من خلال اتصاله الغريب أحياناً. والأغرب من هذا الأمر تحول نظرتنا إلى الاتصال الهاتفي ومحاولة استباق نيةِ المتصل قبل أن يبدأ بالحديث فضلاً عن البحث خلف نبرةِ صوته عن ما يخفيه حتى وإن كان المتصل قريباً جداً منا.
وهنا تكبر أسئلة الماضي الذي كان أجمل في اللقاء في بساطة الأحاديث، حيث لا وجود لوسائل الاتصال الحديثة هناك، وكل ما في الأمر هو التلقائية والصدق في التعامل مع الحياة مع الآخرين حين كان التراحم أكبر من مجرد اتصالٍ هاتفي أو رسالة تخبئ خلفها حاجةً مستترة كرّست مبدأ الاتصال للحاجة ما جعل الاتصال بنية السؤال عن الصحة غريباً إلى حد ما. ومن هذا المنطق نحتاج فعلاً أن نواجه هذه الهجمة التكنولوجية بالعودة إلى الحب والتراحم والتواصل الحقيقي وليس الاتصال، التواصل الذي يخرج من القلب بنية صافية ويصل إلى القلب دون أن يضعَ حدوداً في التكلف والمجاملة، التواصل الذي ينقّي الداخل ويجمع الأحبة خارج الإطارات والقواعد التي وضعها الإتيكيت المفرط ولكن وضعها الدين والخلق والعرف والتقدير.
ولعل أكبر ما يمكن التخلص منه في مجتمعاتنا مفهوم الأعراف التي منعت الزيارات والتواصل لاشتراط التكلف في إحضار هدية أو ضرورة أن تخبر أهل البيت أنك تريد زيارتهم، ما أضاع ما كان في الماضي من لذة أن يقرع جرس البيت لتذهب لتلتقي الضيفَ الصديق خارج إطار المواعيد فتفتح له قلبك قبل أن تفتح له دارك، إذ كان العصير السريع المحضر كفيلاً بالاحتفاء بدل الولائم التي لا تسمن ولا تغني من حب.
ما أجمل أن نستخدم التكنولوجيا وإيجابيتها في تسهيل الحياة ولكن الأجمل دائماً هو مراقبة سلوكياتنا والعودة إلى إنسانيتنا وبساطة أرواحنا كلما ابتعدنا عنها.



التسويق الإرهابي

يدخل بسيارته إلى مركز التسوق فيركض هذا الرجل ويؤشر بيده ويصرخ هنا هنا هنا، فيرتبك صاحبنا قليلاً ليستعيد أنفاسه من الخوف ويتذكر أن هذا الرجل ليس إلا عامل غسيل السيارات التابع للشركة الفلانية التي استأجرت المواقف لتعرض خدمات الغسيل على كل من يحاول الوقوف في الموقف المخصص لها لعرض خدماتها.
مثل هذه القصة تتكرر كل يومٍ في هذه المراكز التجارية التي يتطفل بعض البائعين عليك فيها، لدرجة أنهم في بعض الأحيان يقفون في طريقك وأنت مع أسرتك مع أطفالك تحاول المرور لما هو أهم لديك من هذا المنتج المعروض عليك غصباً.
من يعرف نظرية قانون العطاء والأخذ الذي ينص بطريقة في علم الاجتماع النفسي أنك تعطي أولاً لتأخذ، يدرك أن هؤلاء الموظفين يستخدمون هذه النظرية بتقديم خدمة إيجاد موقف لك، كي تقع في دائرة الخجل فترضخ للخدمة التي يقدمها لك وتطلب منه أن يغسل سيارتك، وكذلك ذلك المتطفل الذي يقف في طريقك ليعطر يدك، ما هو إلا من الذين يحاولون بطريقة التسويق هذه أن يلامس فيك الحياء لتسأل عن هذا العطر وتطلب شراءه، فضلاً عن تلك الفاتنة التي تقف أمام رجل بكامل زينتها وبابتسامة لا يمكن ردها تقابلها ابتسامة أكبر، ولولا أن غضب الزوجة يكشر عن أنياب الغيرة بجانبه لخضع قلبه لما يظنه له من دلال يختفي خلفه أمر واحد فقط وهو ترويج هذه البضاعة بطريقة أو بأخرى.
والتأمل هنا يقع في التربية التي غفلت جانب الرد على التطفل هذا، فرفض بعض هذه التصرفات ليس من الفضاضة في شيء، سوى أنك ترد على هذا التطفل الذي قد يخترق عليك مشاعرك ومشاعر أسرتك بالطريقة نفسها التي تحمي خصوصيتك، وتحميك مما يشعرك أحياناً أنك مخترق من قبل هؤلاء الذين لا يجدون سوى هذه الطريقة للتسويق، فيرفضون تفهم أن المرء إذا أراد أمراً سيسعى هو بنفسه لطلبه أينما كان وكيفما كان الطريق للوصول إليه صعباً. والسؤال الحقيقي هنا هل من قانونٍ يحمي هذه الخصوصية المخترقة في كل المراكز التجارية من هذا التسويق الإرهابي؟



طفولة متأخرة

مازال يتذكر تلك الصرخة المدوية التي صرخوا بها حين حاول أن يلمس إبريق الشاي الساخن في طفولته، يذكر البكاء.. يذكر الرجفة، حتى إن المشاعر مازالت تنبض في روحه حتى الآن، هو أكبر الآن بثلاثين سنة منذ ذلك الحدث لكنه كلما حاول أن يلمس شيئاً حتى إن كان بارداً يتذكر تلك الصرخة المدوية، يستدرج أنفاسه ويلمسها.
كم هي قوية تلك المشاعر التي ترتبط بنا منذ الطفولة على غرار تلك القصة، حتى إن البعض مازال يعاني عقدة مادية في حياته لأنه أضاع مصروفه ذات يوم، أو لديه عقدة من ارتداء زي معين لأن أحدهم قال له ذات يوم باستخفاف ما هذا اللبس الذي ترتديه!
وهنا تكمن خطورة تلك المشاعر التي حاول البعض بقصد أو عن غير قصد أن يمنعنا شيئاً ما للحفاظ علينا أو لنبدو أجمل من وجهة نظره على الأقل، لكنه أتلف في أرواحنا حب الاستكشاف وطفولة المغامرة والتجريب التي لا يخلو الإبداع بكل ما فيه من روح وعطاء وانطلاق وطفولة.
إن الناظر إلى حال الشخصيات التي تشكلت في مجتمعاتنا بسبب الخوف الداخلي الذي قتل مساحات كبيرة من الإبداع على المستوى الأكبر يجد أن أسس التربية التي شكّلت شخصيات وأسراً تستنسخ نفسها وتظن أنها مثالية وتحاول أن تكبت الأبناء عن الإتيان بجديد، لا يستغرب بتاتاً، والقلة القليلة فقط هي التي تبدأ بالبحث عن جذور هذا الكبت وتحاول التخلص من عُقده شيئاً فشيئاً لتنسجم من جديد مع نفسها مع حقيقتها الإنسانية التي تتيح لها التحليق مجدداً في سماء البحث والانسجام مع ما تحب وما يمكن أن تكون في الحياة.
كثيرٌ من هذا الاكتشاف للذات يأتي متأخراً نوعاً ما وربما بعد المرحلة الجامعية ليتذكر المرء أنه لم يجد فرصة طيلة سنوات الدراسة المتتالية لاكتشاف نقاط قوته وضعفه وانسجامه مع ما يحب في الحياة، فيتذكر أن عليه الخروج من تأثير تلك الصرخة للحياة من جديد بطفولته الجديدة المتأخرة.



أين ضاع المفتاح؟

يحكى أن رجلاً أضاع مفتاح سيارته في المنزل، فبدأ يفتش عنه داخل الغرفة في الظلام لانقطاع التيار الكهربائي في اللحظة نفسها، وأثناء رحلة البحث في الظلمة وجد نوراً من الباب المؤدي للخارج فخرج بشكل لا إرادي وبدأ بالبحث في الخارج، حيث إن الإضاءة طرحت في قلبه شك احتمال سقوط المفتاح في الخارج، وفعلاً شرع في البحث في الخارج على الرغم من أنه كان متأكداً من أن المفتاح في الغرفة.
من قرأ هذه الحكاية أو سمعها من قبل يضحك على بساطتها وربما غبائها، ولكن المتمعن في حال الإنسان في البحث عما يريد في الحياة من أحلام وأمور حياتية مختلفة، سواء كانت مادية أو معنوية يشاهد هذا المقطع المتكرر كل يوم مع أغلب البشر، فالإنسان يبدأ بوميض الأمل في البحث عما يريد وربما يبحث في مكان آخر وينهمك في رحلة البحث ربما لسنوات من عمره ليكتشف أنه كان يبحث في المكان الخطأ، فضلاً على أنه لا يكتشف ذلك في بعض الأحيان إلا بعد فوات الأوان، وربما يكتشف أيضاً أنه كان يبحث عما كان يتوهم أنه يريد، هذا إذا أدرك هذا الإنسان أن عليه البحث، وأن ما يريد لا يأتي بمحض الصدفة.
وأذكر هنا السعادة التي يرهق الكثيرون أجسادهم وأذهانهم في البحث عنها في المال وربما العلم أو المنصب أو أي شيء يخطر أو لا يخطر بالبال، وكأنه هدف متحرك في الحياة لا يأتي أبداً وينسى أن السعادة الحقيقية بين جوانحه في الاستمتاع ببساطة الحياة، في رحلة السعي في الحياة وتلمّس الأمل من خلال الاستمتاع بالتفاصيل اليومية والصحة والأسرة والأمن، ما يعزز الإنسانية والشعور بالطمأنينة في الوقت الحاضر، الآن لا فيما سيأتي.
والغريب في الأمر أن الكثيرين لا يدركون أنهم ما زالوا يبحثون عن المفتاح في الخارج على غرار تلك القصة البسيطة التي إن تمعناها أدركنا أن علينا البحث عن مفاتيح حياتنا في قلوبنا وفي بساطة تلقي الحياة.



من يشتري مثقفاً

في لحظة ما تمنيت أنني لاعب كرة قدم محترف، لي الجمهور ولي الملعب الأخضر ولي الكرة التي لا تخطئ المرمى، تمنيت أن أخلق ما يحرك مشاعر هذه الجماهير، وما يستفز حميتهم للحديث عن الأهداف التي سجلتها، تمنيت أن البطولات التي شاركت بها في حضرة آلاف الجماهير تسجل تاريخي الكروي الذي لا تدور المجالس إلا ويذكر فيه .. تمنيت أن أفتح الصحيفة يوماً لأجد الأخبار عني والمقالات التي تمجد الهدف أو خبر الملايين التي عرضت على النادي والتي لي منها نصيب كي أُباع للنادي الآخر.
وفي هذه اللحظة تذكرت أنني أنتمي إلى مجموعة ليس لها نصيب في الأرقام، وهنا أذكر قصة صديق لي له من الكتب ما له، وله من الأبحاث ما له، ولكن ليس له من التكريم ولا حتى الجوائز الثقافية التي تصيب أرضاً غير أرضه شيئاً، ليس له إلا أن يستمر على أمل كاذب وهو أن يخلده التاريخ ويخلد علمه وعمله وكأنه يعيش في زمن غير زمنه ويكتب لعصر غير عصره، حتى كتبه التي هي كل ما يملك لا تباع ولا تشترى، وحفلات توقيعه لا يحضرها أحد رغم أنه يوزع كتبه بالمجان في هذه الحفلات، تراه يحضر في أمسية لا يحضرها أحد إلا الأصدقاء بدعوة خاصة لأن الخبر لم يأخذ أكثر من حيز سطر واحد في الصحيفة.
هذا الصديق الذي له فئة قليلة تؤمن به، ويؤمن بأن الفئة الكبرى تتجاهله ولا تؤمن بأن يكتب ليحيي التراث أو ينشر الأدب، وأنه يشكل هوية ثقافية تسجل تاريخ الحاضر والمشاعر بشكل أو بآخر، فضلاً عن أنه يحمل من الانكسارات ما يحمل تجاه المؤسسات التي تدعو غيره غالباً إلى الحضور وتنسى أن تدعوه، وتنسى هذه المؤسسات أن تحضر كتبه حتى في معارض الكتاب لأنهم يعتبرونها قديمة وليس لها سوق، متناسين أنهم من يسوق لهذا المنتج والمثقف المكسور.
أعزائي إلى كل من هو هنا، من يشتري مثقفاً بربع ما يشتري به لاعباً في نادٍ مغمور، من ينقذ هذا الموقف المتأزم فعلاً أو على الأقل يفرّغه للكتابة والعطاء؟
سؤال لا أريد له إجابة.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ثلاثة أقدام من الذهب

صفحة المستقبل