عصر السخفاء

18 أبريل , 2015

عصر السخفاء

طلال سالم الصابري
من جديد يطل علينا عصر السخفاء، عصر تصيب الشهرة به من تشاء على مختلف المنابر، يتضخمون كثيراً وينفجرون كما تنفجر الفقاعات، لكنهم يصيبون المجتمع بالوباء، وباء السخافة ونرى المنتجين يسارعون للتعاقد معهم لملء فراغات الدعايات الفارغة، والشركات تتسابق في رعايتهم لتلطيخ اسمها بين الناس بما يسمى الدعاية السلبية.
من جديد عصر يخسر فيه المتنبي الرهان، وتضيع قامات أدبية لا أحد يعرفها أو يذكرها إلا حينما تموت، من جديد نرى الكتب الأعلى مبيعاً هي أكثرها سخفاً وأقلها قيمة، ونرى المفاهيم تتغير والعالم يركض خلف ضحكة سخيفة أضاعت حتى معنى الدعابة الحقيقية التي تخرج من القلب فتصل للقلب، والأمثلة كثيرة في تلك المسلسلات الكوميدية التي كانت في الزمن الماضي لكنها لا تموت.
من جديد يبحث العالم عمن يؤمن بأفكاره، والشاعر عمن يسمعه، والمعماري عمن يحتفي بعمله ويقدره بين الناس بل يضعه علامة بارزة في المجتمع يشار إليها بالبنان، فإن الأمم المتحضرة لم ترتق بسخفائها إنما ارتقت بعلمائها ومفكريها وفلاسفتها الذين أثروا في الناس وغيروا مفهوم الحياة في أعينهم بالرؤية الحقيقية والحكمة والاتزان تلك الأمم التي حينما تزور حديقة بها يقال لك إنها من تصميم الفنان الفلاني، وحين تزور مبنى يقال لك إنه من تصميم المصمم الفلاني وحين تزور مكاناً ترى قصيدة شاعرهم على بوابته يعتزون بها ويقرؤونها كلما مروا، ويتذكرون أنهم تربوا عليها في المدرسة، وأن المسرحية الفلانية كانت تكاملاً فنياً وتاريخياً بين مفكرين وشعراء وفنانين وغيرهم من الرائعين الذين يبنون تاريخ وتراث الأمة.
كل هذا يحضنا أن ننتبه إلى ما يدور حولنا وإلى من يتصدر منابرنا ومن يكون في صحفنا، وعلينا أن نتفكر جيداً في الأمثلة التي نصنعها ونترك أبناءنا لمتابعتها عبر مختلف الوسائل والمنابر والكتب والصفحات، كل هذا يمنحنا فرصة لأن نعتز بما نملك وندرك الغث من السمين والراقي الحقيقي من السخيف، وأن كثيراً ممن يرسمون ابتسامة سخيفة على وجوهنا ليسوا سوى زبد يضع نفسه على السطح وأننا ما زلنا نحتاج أن نستخرج الكثير من الجواهر والحلي لتنفع الناس.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ثلاثة أقدام من الذهب

صفحة المستقبل